المقال مترجم من اللغة الإنجليزية بتاريخ 12/2/2019
حظت عملات الأسواق الناشئة ببداية عظيمة هذا العام. إذ أجبر التباطؤ في الاقتصاد العالمي الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي على التوقف المؤقت في رفع معدلات الفائدة، كما تراجع البنك الأوروبي المركزي عن خطط التضييق الأولى.
وظهر جليًا على الأسواق الناشئة الارتياح لتلك التغيرات التي أٌجبرت عليها الدول الكبرى، فتراجع الدولار بنسبة 1.9% أمام البيزو المكسيكي، و4.2% أمام الراند الجنوب أفريقي، وهبط 5.9% أمام الروبل الروسي. بيد أن هناك لاعب مهم وكبير في سوق الفوركس للأسواق الناشئة لم يحظ بمثل تلك التحركات القوية، بدون مبررات في عيون البعض.
لم تتحرك اليرة التركية سوى نسبة 0.3% أمام الدولار الأمريكي من بداية العام وحتى تاريخ اليوم، ويحدث ذلك رغمًا عن معدلات الفائدة شديدة الارتفاع، والتحسن المستمر والسريع في ميزان المدفوعات، والعلامات المشجعة الدالة على حدوث تقدم في التعامل مع معدلات الدين المؤسسي المرتفعة، وإن كان هذا التقدم يتسم بشيء من البطء. فعلى ما يبدو يظل ما حدث العام الماضي مطبوعًا في ذاكرة السوق، عندما هبطت الليرة التركية بنسبة 45% في فترة ستة أشهر حتى شهر أغسطس، بعدما ضغط الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، على البنك المركزي كي لا يرفع معدلات الفائدة. يلزم عدة أيام فقط لتدمير ثقة الأسواق في البنوك المركزية والعملات، ولكنه تحتاج إلى شهور أو حتى سنوات لتعيد بناء تلك الثقة المهدمة.
انهارت العملة العام الماضي، نظرًا لاضطرابات في السياسة المحلية، ولكن حدث ذلك الانهيار عندما كان الدولار في حالة ارتفاع مستمر على خلفية معدلات الفائدة المرتفعة، والتوقعات القوية من البنك المركزي الأوروبي هو الآخر، واستخدام الأوروبي لتلك التوقعات ليخبر الأسواق أنه سيرفع المعدل الرئيسي. تبدلت التوقعات الاقتصادية الآن، وكانت الأسواق الناشئة تخشى من سحب البنوك الكبرى لمواردها من الوكلاء المحليين لها، مسببة بذلك أزمة ائتمان، وبتغير الأحوال اتضح أن تلك المخاوف لا أساس لها من الصحة، ولن تغادر بنوك كبرى من أمثال: (DE:يوني كريديت)، و(NYSE:ING)، (MC:وبي بي في أي).
"والآن، تعجبنا الليرة التركية أكثر من الروبل أو الراند،" وفق ما يقوله تشارلز روبرتسون، رئيس البحث في الشركة المختصة بالأسواق الناشئة Renaissance Capital.
بالإضافة، يقف معدل الريبو للأسبوع الواحد عند 24% منذ سبتمبر. ويعني هذا أن الليرة توفر مركز إيجابي لتقف أمام اليورو أو الدولار، وتتسم بجاذبية أكبر من عملات الأسواق الناشئة الأخرى مثل عملة جنوب أفريقيا (حيث معدل الريبو الرسمي لها 6.75%) أو روسيا (7.75%). فيعمل البنك المركزي على إعادة بناء الثقة المهدمة، ووعد القائمون على السياسة أن معدل الفائدة سيبقى على ما هو عليه، بالرغم من تقليل التوقعات الخاصة بالتضخم لهذا العام وللعام القادم. يظل معدل التضخم السنوي عند 20.35%. (معدل الريبو: يعرف باتفاق إعادة الشراء، وهو السعر الذي يستخدمه البنك المركزي لإعادة شراء الأوراق النقدية الحكومية من البنوك التجارية، بغرض السيطرة على المعروض النقدي.)
ويتفق الاقتصادي محمد ميركان، من بنك ING، على أن البنك المركزي لن يخفض من معدلات الفائدة حتى شهر يونيو على أقرب تقدير، عندما تسمح التأثيرات الأساسية بحدوث انخفاض في معدل التضخم على أساس سنوي.
تلوح مخاطر في المستقبل، وتتمثل في: إعلان الحكومة الأسبوع الماضي عن نظرها في احتمالية تأميم بنك Isbank، أكبر البنوك المدرجة في البلد، مما أرسل إشارات مربكة للسوق، كما يقول محللو BBVA إن عملية إعادة هيكلة الديون المؤسسية يجب أن تتم بصورة أسرع مما هي عليه الآن، بعد أن ظلت عقد كامل معتمدة على الدولار الرخيص. ومن الناحية الجيوسياسية، انسحبت القوات الأمريكية من شمال سوريا، مما خلق أمور مسببة للإزعاج، فلم يتوقف إردوغان عند رغبته في فرض قوة تأثير على المنطقة مثل تلك التي تفرضها إيران، والسعودية وروسيا، ولكنه أقدم على المخاطرة ومناوشة أكراد سوريا (حليف الولايات المتحدة)، على خلفية شكوك تركية بأن أكراد سوريا يمدون يد العون للأكراد المتمردين في تركيا.
كما تظل احتمالية تدخل السياسة في شؤون البنك المركزي قائمة فلدينا: انتخابات البلديات التي سيواجهها حزب اردوغان في كافة أنحاء البلاد، تنعقد في مارس. ولكن هذه الاحتمالية ضعيفة، لأن الحكومة ستكسب القليل وتخسر الكثير إذا وضعت في اعتبارها محاولة التأثير على البنك المركزي مرة أخرى.
وبالنسبة للمستثمرين الأجانب، تتحسن حالتهم النفسة تجاه تركيا. فاستطاع وزير المالية بيع سندات مقومة بالدولار واليورو دون أي يواجه أي مشكلات في شهر يناير. لو تمكنت الحكومة من إقناع الشعب بعدم تكرار أخطاء السنة الماضية، ستتمكن الليرة من التعافي ومد طريقها إلى الأعلى.