تستمر سوق العملات الرقمية في النمو والنضوج يوماً بعد آخر, وقد استعادت هذه السوق بريقها منذ بداية العام الجاري بعد أن كانت قد مرت بسوق دببيه قاسية كلفتها غالياً وذلك حينما انخفضت القيمة السوقية الكلية للسوق من 813 مليار دولار إلى نحو 102 مليار دولار أمريكي, أي أن السوق خسرت 88%.
وعلى الصعيد التنظيمي تجري عدة محاولات في هذا المضمار من أجل ضمان حماية المستثمرين في هذه السوق, وتحاول الحكومات بسط سيطرتها (التنظيمية على الأقل) في هذه السوق, ومؤخراً برزت بعض الخطوات العملية الجادة.
ففي منتصف شهر يونيو الجاري أعلنت منصة بايننس Binance وهي أكبر منصة لتداول العملات الرقمية من حيث أحجام التداول؛ أعلنت عن تعديلات جديدة في سياسة الاستخدام.
غير أن اللافت في هذا الأمر انه لن يكون بإمكان المستخدمين الذين لا تنطبق عليهم شروط الاستخدام الاستمرار في الاستفادة من خدمات المنصة وذلك إبتداءً من 12 سبتمبر القادم بحسب ما اعلنته المنصة, وبالتالي فإن ذلك يعني بأن المستخدمين من بعض الدول العربية كسوريا وليبيا واليمن والسودان لن يكون بإمكانهم الاستفادة من خدمات المنصة.
مشروع الإطار التنظيمي لشركات العملات الرقمية:
نشرت هيئة الأوراق المالية الأمريكية SEC إطار تنظيمي حول شركات العملات الرقمية باسم Howey Test, ويهدف هذا الإطار الى تحديد الشروط التي بموجبها تعد العملات الرقمية بمثابة أوراق مالية Securities تسري عليها القواعد والقوانين التنظيمية المطبقة على الأوراق المالية المعروفة كالأسهم والسندات وغيرها.
وبموجب هذا الإطار فإن الشركات التي تقوم بإصدار العملات الرقمية التي تعد بمثابة أوراق مالية؛ يتوجب عليها الالتزام بالقوانين والقواعد المنظمة للأوراق المالية بما فيها قواعد الافصاح وذلك بهدف حماية المستثمرين.
نرى أن هذا الإطار سيكون له آثار إيجابية على زيادة حماية المستثمرين في العملات الرقمية وذلك من خلال إلزام الشركات بالإفصاح عن كافة البيانات التي قد تؤثر على قرارات المستثمرين بما في ذلك البيانات المالية أو حتى الإدارية التي لها تأثير على توقعات المستثمرين.
فكثيراً ما يعاني المستثمرين في هذه السوق من سوء استخدام المعلومات المؤثرة على أسعار العملات الرقمية في السوق نظراً لعدم وصولها لجميع المستثمرين في الوقت المطلوب, ناهيك عن عدم وجود أي إفصاحات مالية عن نتائج أعمال شركات العملات الرقمية.
ويبقى السؤال هنا, كيف سيتم إلزام شركات العملات الرقمية بتطبيق هذه القواعد التنظيمية, وكيف ستتمكن هيئة الأوراق المالية الأمريكية من فرض تطبيق هذه القواعد على الشركات خارج النطاق الجغرافي الأمريكي وذلك إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن غالبية شركات العملات الرقمية لا تقع في النطاق الجغرافي الأمريكي!؟
الإطار التنظيمي يعالج مسألة العوائد:
من الأمور الملفتة في الإطار التنظيمي الذي طرحته هيئة الأوراق المالية الأمريكية أنه عالج واحدة من أهم المعضلات التي تعاني منها سوق العملات الرقمية وهي مسألة العوائد, فمن المعروف بأن الاستثمار في الأوراق المالية التقليدية يقوم على وجود عوائد دورية Dividend يحصل عليها المستثمر على شكل توزيعات دورية, غير أن هذا الأمر غير متعارف عليه في سوق العملات الرقمية.
وقد قدم الإطار التنظيمي مفهوماً أشمل للعوائد المالية (الأرباح) المتوقعة من العملات الرقمية, وذلك حينما حدد بأن الأرباح قد تكون (من بين أمور أخرى ممكنة) على شكل زيادة وارتفاع في قيمة رأس المال ناتجة تطور قيمة الاستثمارات الأساسية.
أي أن العوائد ليس شرطاً بأن تكون بالمفهوم المحاسبي المجرد وإنما بالمفهوم الاقتصادي الاشمل, ووفق المفهوم الاقتصادي فإن العائد ينتج عن خلق شركات الأعمال لقيمة اقتصادية مضافة Economic Value Added وهو ما تمثله الزيادة المتوقعة في قيمة شركات العملات الرقيمة نتيجة ارتفاع قيمتها الاقتصادية جراء الافكار والمشاريع الابداعية التي تقدمها والتي ستخدم بالتأكيد بيئة الأعمال الحالية وتؤدي إلى زيادة متنامية في قيمة رأس مال شركات العملات الرقمية.
السوق الرقمية تتطور يوماً بعد آخر (كما ذكرنا في مقال سابق) وتسير بثبات لتشكيل الملامح الجديدة للأسواق المالية, فهذه السوق طورت من أسلوب التمويل الجماعي من IPO إلى ICOs ثم STOs, وأذابت الحدود الجغرافية التي تفصل الأسواق المالية التقليدية, وسهلت من وصول صغار المستثمرين إلى السوق دون الحاجة للوسطاء, وقدمت أساليب عديدة لحل العديد من المشاكل التي تعاني منها الأسواق التقليدية كالتسويات والمقاصة والاحتفاظ بالأوراق المالية وآلية توزيع العوائد و انتقال الأوراق المالية من مستثمر إلى آخر.