ارتفع مؤشر (S&P CoreLogic Case-Shiller) لقيمة العقارات السكنية الأمريكية بنسبة 14.6% عن العام السابق.
في أكبر زيادة سجلتها بيانات المؤشر منذ عام 1988.
وهذه هي الزيادة المطردة لمدة 11 شهرا على التوالي، في أعقاب الارتفاع السابق في مارس، وقدره 13.2%.
كما ارتفعت أسعار المنازل في 20 مدينة أمريكية بنسبة 14.9%، وهي الأعلى منذ عام 2005.
وقد سجلت مبيعات المنازل المملوكة سابقاً تراجعات للشهر الرابع على التوالي في مايو.
دلالات البيانات
مع هذه الارتفاعات التاريخية لابد لنا من وقفة، لاستنتاج ما تشير غليه هذه الارتفاعات المبالغ فيها.
أولا: البيانات تشير لاستمرار معاناة الأسر الأمريكية
ولنبدأ من تراجع مبيعات المنازل المملوكة سابقا تشير بقوة إلى وضع الأسر الأمريكية المتأزم، وتوجهها للاحتفاظ بالمسكن القديم، إما لعدم امتلاك المال الكافي للانتقال لمنزل جديد، إما لارتفاع الأسعار، وإما لانخفاض الدخل بالأساس.
فمن المعروف أنه مع تحسن الدخول، تتزايد الرغبة في الانتقال لحياة أكثر رفاهية، وأولها المسكن.
لذلك لا يمكن أبدا أن نتجاهل تراجع القوة الشرائية، والتوجه للتقشف بالتنازل عن شراء منزل جديد، والاحتفاظ بالمنزل القديم أطول فترة ممكنة، حتى تحسن الأوضاع.
كما أنه يشير إلى تزايد المخاوف بشأن الأسعار الحالية، والمستقبلية للمساكن.
حيث أنه من الوارد كبت الرغبة في شراء مسكن جديد بأسعار مرتفعة تخوفا من احتمالية تراجعها مستقبلا، خاصة مع وجود مؤشرات تدل على ذلك، ولعل أبرزها تصريحات مسئولين فيدراليين، ومحافظ البنك الفيدرالي، بأن ارتفاع السعار الحالي مؤقت، وستعود الأسعار تدريجيا لوضعها الطبيعي بالتزامن مع نمو الاقتصاد القريب وحل مشاكل سلاسل التوريد!
فمن الطبيعي أن يعزف المواطن عن بيع مسكنه الحالي، مضحيا به في سبيل شراء منزل مرتفع الثمن، يمكنه الحصول عليه بعد شهور بسعر أرخص كما يقول المسؤولون!
ثانيا: الزيادة ليست مقبولة في السياق الطبيعي للأسعار، ولا الوضع الاقتصادي.
فهي زيادة كبيرة جدا، وبوتيرة هي الأسرع في التاريخ.
ولو كانت الزيادة في ظروف طبيعية ورخاء اقتصادي لكانت الزيادة تعبر عن زيادة الطلب حقيقة نتيجة الرفاه، وتحسين أوضاع المعيشة، وهكذا.
لكنها تأتي في ظروف استثنائية.
حيث يعاني سوق العمل مشاكل وتحديات حقيقية تذهب بكل جهود الإنعاش أدراج الرياح.
مع معدلات مرتفعة لطلبات إعانة البطالة الابتدائية
والبطالة المستمرة، مع فقد الملايين أعمالهم منذ بداية الجائحة
ولعل بيانات مؤشر ADP أمس عكست هذا الوضع المتأزم في سوق العمل بشكل واضح
حيث تراجع المؤشر ما يزيد عن 25% عن القراءة السابقة
ثالثا: التضخم يتطور ويتوسع ليضرب أهم الصناعات، وعلى رأسها العقارات
حيث تشير البيانات المتتالية إلى ارتفاع تكلفة لوازم الصناعة، والسلع، والمعادن خصوصا بشكل كبير حيث وصلت لمستويات قياسية.
بالإضافة لارتفاع أسعار الطاقة.
وهذا ما أشار له المقاولون تعليقا على الارتفاعات الحالية في أسعار المساكن، بأن أسعار المواد المرتفعة ونقص الإمدادات والعدد المحدود من العمال المهرة تعتبر تحديات مستمرة.
وهذا كله يصب في صالح الارتفاعات المبالغ فيها حاليا في أسعار المساكن.
رابعا: مازالت مشاكل سوق العمل تلقي بظلالها على جميع القطاعات وتؤثر على الأسعار
حيث أنه وفقا لإشارات المقاولين السابقة، فالعدد المحدود من العمالة الماهرة أحد تحديات الصناعة.
والعدد المحدود يعني زيادة واجبات العمال الحاليين، مقابل زيادة مستحقاتهم.
مما يعني ارتفاع التكلفة بارتفاع الأجور.
مع صعوبة توظيف عمالة جديدة، وصعوبة إقناع العمال الراغبين في الالتحاق بالعمل بأجور متدنية نوعا ما، بالقياس مع ما يحصلون عليه من منح ومساعدات ضمن برامج تعويضات الجائحة، المنصوص عليها ضمن حزم التيسير.
وهذا ما أشار إليه بعض المسئولين، ومنهم الرئيس بايدن نفسه.
وإن كان هذا الأمر يحتاج لمزيد بحث لإثباته، إلا أنه إن صح فهو أحد التحديات التي تواجهها سوق العمل حاليا، مما ينتقل أثره للتكلفة، ويتسبب في حدوث زيادات ملحوظة في الأسعار.
في النهاية
لا تعكس البيانات الحالية تحسن الوضع الاقتصادي
بالعكس هي امتداد لتردي الأوضاع، والتأثر الواضح بمشاكل الاقتصاد، وسوق العمل.
بالإضافة للوقوع تحت ضغط التضخم القادم بقوة.
ما من شك أن هذه الأسعار تزيد المخاوف بشأن فقاعة، قد تنفجر في أي وقت.
قد يطول انتظار تلك اللحظة، لكن الاستمرار على هذه الوتيرة يؤكد أنها قادمة لا محالة!
طاهر مرسي