الجانب العلمي للمضاربة والتحليل الفني في السوق

هل من الممكن ولو بشكل جزئي اختزال المضاربة في أسواق المال وتحويلها إلى علم قائم بذاته؟

هل قمت بالبحث منذ أن بدأت مشوار التداول في السوق بالبحث عن افضل إشارة فنية تعطي مردود إيجابي بمرور الوقت؟

هل تصلك العديد من الأسئلة حول الطريقة الصحيحة لإستخدام التحليل الفني أو افضل إشارة فنية يمكن استخدامها للحصول على نتائج مؤكدة؟!

لا أعلم عنك ولكنني أتلقى هذه النوعية من الأسئلة بشكل متكرر لذلك من الأفضل تقديم إجابة لهذه الأسئلة – حتى ولو لم تكن مقنعة بالنسبة للكثير– ولكنها مقنعة وحقيقية بالنسبة لي من خلال التجربة والملاحظة والنتائج..

عندما يطلب مني شخص ما تزويده بإشارة فنية على طريقة 1+1=2 بمعنى إذا ظهر كذا أقوم بالشراء وإذا ظهر كذا أقوم بالبيع وهكذا..

فإن أول إجابة تجول بخاطري هي أول هذه الحقائق التي أرغب بطرحها في هذا المقال.. وهي:

1- لا يوجد 1+1=2 عند المضاربة في السوق:

التحليل الفني والمالي والمضاربة في اسواق المال بشكل عام لم تكن في الماضي ولن تكون في المستقبل علما قائما بحد ذاته..

العلم يعني الحقائق والقوانين العامة المتعلقة بالعالم المادي والكمي ويتم دائماً الحصول على نفس النتائج والاستنتاجات المؤيدة لذلك مهما تكررت الإختبارات للحصول على هذه النتائج..

في أسواق المال لا يوجد قواعد أو أسس معينة لو قمت بالإلتزام والعمل بها تخولك للحصول على نتائج ثابتة..

من المحال أن تصبح المضاربة في السوق علماً في المستقبل ليس لأنها لا تملك قواعد علمية ثابتة فقط ولكن لأن تطبيق ذلك بشكل علمي ومنهجي يعتبر ضرباً من الخيال..

المضاربة في السوق تعتبر مقامرة مدروسة بإدارة مالية جادة وعواطف ومشاعر منظمة تعمل لصالح المضارب نفسه وليس ضده.. بالإضافة طبعاً لإدارة صحيحة لهذه الصفقات بعد تنفيذها..

البحث المستمر عن إشارات فنية قادرة على تحقيق ارباح هي الفكرة التي تراود الجميع بلا إستثناء.. وهي الفكرة التي لن تنجح أبداً بالحصول عليها أو معرفتها..

لماذا؟ لأنها ببساطة غير موجودة..

لكي تنجح إحدى الإشارات الفنية على المدى البعيد وبشكل مستمر فلا بد أن تتوافق الظروف الخاصة بالعرض والطلب وكميات التداول وحالة التفاؤل والتشاؤم للمتداولين وأمور أخرى عديدة في المستقبل مع الإشارات الفنية التي حققت أهدافها في الوقت الحالي..

وهذا بحد ذاته مستحيل تماماً أن يتكرر..

اختراق مستوى مقاومة اليوم يعتبر إشارة فنية أليس كذلك؟

قد يصل السعر للمستوى المستهدف الآن بعد إختراق مستوى المقاومة ولكن هذا لا يعني بأن اختراق آخر لمستوى مقاومة يحدث غدا سيصل ايضاً لمستواه المستهدف.. حتى في حال وجود تشابه قوي بين النموذج الحالي والنموذج المستقبلي..

حتى يتشابه الاختراق الاول مع الثاني في تحقيق الأهداف لا بد أن تتشابه الظروف ايضا عند ظهور هذه الإشارات الفنية..

وهذا يعني تشابه لحد كبير في الزخم وحالة التفاؤل أو التشاؤم عند المتداولين ونفس قابلية المخاطرة والأخبار والسيولة الخ..

وقس على ذلك مختلف الإشارات الفنية المعروفة التي يستخدمها المضاربين بشكل يومي في السوق..

إحدى أهم النقاط التي تحدث عنها مارك دوغلاس وذكر أنها من الحقائق الثابتة في أسواق المال هو أن ” كل لحظة في السوق هي لحظة فريدة من نوعها “..

الكلمة الرئيسية هنا هي ( فريدة ) والتفرد تعني عدم حدوث ذلك في الماضي أو تكراره ربما في المستقبل..

2- الإشارة الفنية ليست مهمة كما تعتقد:

نعم.. لقد قرأت ذلك بشكل صحيح..

الإشارة الفنية أو المحفز لتنفيذ صفقة بناءاً على ظهور نموذج فني معين ليست بتلك الأهمية التي يعتقدها الكثير..

إختراق السعر لمستوى مقاومة أو كسره لمستوى دعم أو اكتمال نموذج انعكاسي كلاسيكي أو أية إشارة فنية أخرى ليست بتلك الأهمية اللازمة لنجاح صفقة ما من عدمها..

مازلت غير مقتنع بذلك بشكل كامل.. لا بأس..

أخبرني إذا إن كنت تملك استيراتيجية معينة للشراء والبيع عند ظهور إشارة فنية..

إذا كانت إجابتك بنعم فلتقم إذا بالإجابة على بقية الأسئلة أدناه:

1- هل تقوم دائما بتنفيذ هذه الصفقات عند ظهور هذه الإشارات الفنية بدون خوف أو تردد؟

2- هل يقوم السعر بالتحرك وفقاً لتوقعاتك دائماً بعد ظهور هذه الإشارات أو أغلب الوقت على الأقل؟

3- هل تقوم بإنتظار السعر للوصول للمستوى المستهدف الذي قمت بتحديده انت مسبقاً بعد ظهور هذه الإشارات وبعد تنفيذ هذه الصفقات؟ أم انك تقوم بإغلاق هذه الصفقات مباشرة خوفاً من انعكاس السعر؟!

كما ترى من خلال إجابتك على الأسئلة السابقة فإن الإشارة الفنية ليست بتلك الاهمية التي يعتقدها الكثير حتى بالنسبة لأولئك الذين يملكون استيراتيجية خاصة لتنفيذ صفقاتهم تجدهم يعجزون عن الإلتزام بهذه الاشارات الفنية اغلب الوقت ويقومون إما بالتدخل لإقفال هذه الصفقات مبكراً أو يعجزون حتى عن الضغط على زر شراء أو بيع بعد ظهور هذه الإشارات التي ينتظرونها..

ولكن لماذا يقومون بذلك؟ السبب ببساطة هو تصرفهم اللاإرادي وافكارهم المسبقة عن الطريقة التي سيتحرك معها السعر بعد اكتمال هذه الإِشارة الفنية وذلك بعد مشاهدة الأسعار تتحرك بشكل مختلف عن توقعاتهم بعد اكتمال هذه الإِشارات الفنية..

الخلاصة:

أنت لست بحاجة لمنهج علمي حقيقي لتحقيق النجاح في أسواق المال..

ما تحتاج اليه فعلاً هو توفير حالة ذهنية ونفسية ملائمة لتذبذبات السعر المستمرة..

ولفهم الآلية التي تتحرك بها الأسعار والتي يتم إختصارها على الدوام بمصطلح العرض والطلب (وإن كان المفهوم العام لحركة الأسعار اكبر من ذلك بكثير)..

بالإضافة لإدارة مالية صارمة وحجم عقود مناسب لهذه الصفقات..

وبالطبع إشارات فنية تقوم انت بتنفيذ الصفقات مباشرة عند ظهورها بدون التفكير في مصير هذه الصفقات بعد ذلك..

ولا ننسى إدارة الصفقة نفسها بعد التنفيذ والتحوط وعكس الصفقات أو إغلاقها إن إستوجب ذلك في حينه.. (بالنسبة لي إدارة الصفقة بعد التنفيذ لا تقل أهمية أبداً عن تنفيذ الصفقة نفسها ، ولكن لندع هذا جانباً إلى حوار آخر)..

العديد من مدراء المحافظ والشركات الإستثمارية والمضاربين الأفراد خسروا الكثير من محافظهم الإستثمارية بسبب إعتقاد خاطئ أنهم قد توصلوا إلى (إسلوب علمي ومنهجي) للمضاربة في أسواق المال..

مئات الملايين تم استثمارها في صناديق سوداء (كناية عن برامج لوغاريتمية لفحص وتوليد إشارات شراء وبيع) وأثبتت في النهاية فشلها في تحقيق ارباح مستمرة.. بالرغم من الـ Back test الطويل الذي رافق برامج التداول تلك..

الإقتصاد وسياسات الدول ونفسيات المتداولين وآمالهم ومخاوفهم (والعرض والطلب) وكل الأمور الأخرى التي تؤثر على حركة السوق تتغير بشكل مستمر يجعل من المحال إيجاد إسلوب علمي واضح للإعتماد عليه في تحقيق ارباح حقيقية في السوق..

أو على الأقل لإيجاد إشارات فنية قادرة على ذلك..

المضاربة تحتاج لبعض الفن والحدس في قراءة الشارتات ولكن لا يهم إطلاقاً كيف سيتحرك السعر بعد التنفيذ..

نعم يوجد هناك عشوائية واضحة في حركة السعر في السوق وهذا هو الأمر الطبيعي.. الأمر الشاذ هو الوقت الذي تتحرك فيه الأسعار بشكل يتوافق ويتلائم مع توقعاتنا وتحليلاتنا الفنية..

إيمانك بذلك سيجعلك اكثر تقبلاً للواقع عندما يقوم السعر بعكس اتجاهه بعد ظهور إشارات فنية على الشارت..

لأننا نتعامل بكل سهولة مع إشارات حالية بدون الإنشغال بالطريقة التي سيتحرك معها السعر بعد ذلك..

وهذا كاف – بشكل ما – لتخفيف حدة الخوف والتوتر من تذبذبات السعر المستمرة..

والإبتعاد بعض الشئ عن وضع التحليل الفني داخل قالب علمي يقوم بإظهار نفس النتائج بعد أن استطعنا إقناع أنفسنا بأن المضاربة في السوق لا تعتمد على منهج علمي لذلك..

هذا لا يعني عدم أهمية الإشارة الفنية أو عدم الإعتماد على استيراتيجية واضحة تخص هذه الإشارات.. بل على العكس من الضروري وجود إشارات فنية ووجود إلتزام كامل بتنفيذ صفقات بشكل مباشر بعد ظهور هذه الإشارات الفنية..

الأمر الذي لا تحتاج إليه فقط هو عدم البحث عن طريقة علمية لإنجاح هذه الصفقات.. أو الإنشغال بالتفكير والخوف والأمل بمصير هذه الصفقات بدلاً من إدارتها بشكل منهجي وفعال..

أذكر نقطة أخيرة حتى تصبح الفكرة واضحة.. انا عن نفسي اعتمد على عدد من الإشارات الفنية المحددة لتنفيذ صفقات البيع والشراء أو للخروج من الصفقات ككل..

ولكنني أحاول قدر الإمكان تذكير نفسي بأن هذه إشارات لوضع السوق الحالي ولا تعكس ما سيكون عليه السوق في المستقبل..

وهذا بحد ذاته يساعدني بشكل كبير على تقبل أي تذبذبات سعرية تحدث في السوق قد تبدوا لي غير منطقية في وقتها.. أو عندما يتحرك السعر بشكل عشوائي بالنسبة لي..

وهذا يكفيني تماما للمضاربة بالسوق بأقل ضغط نفسي وتوتر ممكن..

مالذي تفعله انت من جهتك ليساعدك على المضاربة بأريحية وراحة بال؟