من يتوقع أن يكون الطريق نحو التشديد ثوريًا وما بين ليلة وضحاها، فلا ينتظر حدوث ذلك. لأن التحول الحالي في السياسة النقدية العالمية سيكون تطورًا تدريجيًا، أكثر من كونه ثورة صارخة.
وبالرغم من أن كل الأحاديث في الأسواق تتمحور حول اقتراب رفع معدلات الفائدة على الصعيد العالمي، إلا أن السياسات التيسيرية والظروف المتساهلة قد تظل قائمة خلال السنوات القادمة في الاقتصادات المتقدمة (SE:2330).
فالخروج من أزمة كورونا وسحب ما ضخته البنوك المركزية الكبرى في الأسواق، يحتاج إلى صبر وذكاء، حتى لا نقع في أزمة عالمية أخرى. والآن، لنلقي نظرة على أوضاع هذه البنوك وإلى أين ستتجه، وتأثير ذلك على عملاتها.
1. بنك الاحتياطي الفيدرالي:
- الفيدرالي يتخلى عن سيناريو "لا لرفع الفائدة قبل 2024"!
بعد الاجتماع الأخير للفيدرالي في يونيو، تغيرت لهجة البنك قليلًا نحو التشديد. ففي النهاية، وجدنا أن هناك 7 أعضاء يدرسون رفع الفائدة في 2022 و 13 عضوًا يريدونها في 2023. وتُعد هذه قفزة كبيرة من اجتماع مارس، الذي شهد 4 أعضاء فقط يصوتون لصالح الرفع في 2022، و7 أعضاء يرون زيادتها في 2023.
ومن أكثر الإشارات الجديرة بالملاحظة، هي إزالة هذا السطر من البيان الأخير: "تتسبب جائحة كورونا في صعوبات بشرية واقتصادية هائلة في جميع أنحاء الولايات المتحدة وحول العالم". لتُستبدل بعبارة "أدى التقدم في التطعيم إلى تقليل انتشار الفيروس في الولايات المتحدة". وتعكس هذه الجملة التفاؤل والنظرة الأكثر إيجابية للاقتصاد الأمريكي.
وبالنظر إلى دور سياسة الاحتياطي الفيدرالي التيسيرية في رسم مسار الأسواق منذ بداية أزمة كورونا، فإن تصاعد عدم اليقين في الأسواق بشأن تحركات البنك قد يؤدي إلى اضطرابات عنيفة. ونعم اقترب موعد تشديد السياسات للفيدرالي، ولكن لا تقلقوا. إذ أن أعضاء البنك أكثر خبرة الآن في تهيئة الأسواق لتقليص برنامج شراء السندات ورفع الفائدة، عما كانوا عليه في الأزمة المالية 2008.
الدولار إلى أين؟
تغير لهجة الفيدرالي نحو التشديد تعطي الدولار الأمريكي نظرة تصاعدية على المدى القريب. وسجل مؤشر الدولار أفضل أداء شهري له في يونيو منذ نوفمبر 2016، مدفوعًا بتصريحات الفيدرالي وتحسن الظروف الاقتصادية.
2. البنك المركزي الأوروبي:
- لا تشديد في السياسات في الأفق!
في الاتحاد الأوروبي، ذكر البنك المركزي الأوروبي إنه لا يوجد مجال لزيادة أسعار الفائدة على المدى القريب نظرًا لضعف التضخم. إذ انخفض التضخم في يونيو إلى 1.9٪ سنويًا، بعد ارتفاعه إلى 2٪ في مايو، وفقًا آخر الاحصائيات.
وهذا سيساعد في تهدئة الجدل حول موعد تخفيف برنامج التيسير الكمي، الذي بدأ في تقسيم محافظي البنوك المركزية في أوروبا مع استمرار التعافي. فهذا الارتفاع المؤقت في التضخم في المنطقة لا يستدعي تشديد السياسة النقدية، أو حتى مناقشة متى وكيف سيرفع المركزي الأوروبي الفائدة.
وصرح روبرت هولزمان من المركزي الأوروبي إن خطة (PEPP)، برنامج شراء السندات، سينتهي عندما تنتهي حالة الطوارئ المتعلقة بفيروس كورونا، وهو أمر لن يحدث قريبًا. فنعم، تحسنت الأوضاع، ولكن سيلتزم البنك بوضعية "المراقبة والانتظار".
اليورو إلى أين؟
ستُثقل هذه الفترة من عدم النشاط والانتظار كاهل اليورو، الذي يكافح مقابل الدولار للارتفاع من أدنى مستوى له منذ إبريل عند 1.1845. وكما يبدو فإن اتجاه زوج "اليورو/دولار" على المدى القريب هبوطي، على الرغم من احتمال حدوث بعض الزخم الصعودي المحدود.
3. بنك اليابان:
- يبقى الوضع على ما هو عليه!
لا تزال رؤية بنك اليابان متساهلة للغاية، ولا توجد إشارة على نية البنك للخروج من سياسته النقدية التيسيرية قريبًا. فلم يشهد الاجتماع الأخير أي مفاجآت وكان كل شيء متوقعًا، مع بقاء الفائدة عند 0.10٪.
وإذ نظرنا إلى الاقتصاد الياباني، فإن الوضع يتحسن. وأشار بنك اليابان إلى أن "الصادرات والإنتاج الصناعي في زيادة مستمرة. كما تحسنت أرباح الشركات ومعنويات الأعمال بشكل عام.
أما التضخم، فهو العائق الأكبر الذي يواجه بنك اليابان منذ سنوات. إذ يقف معدل التضخم السنوي عند 0.1-% حاليًا، وهو بعيد كل البعد عن هدف البنك البالغ 2٪. لذلك، لا يوجد أي تغييرات متوقعة في المستقبل المنظور لبنك اليابان حتى يحقق أهدافه وينتعش اقتصاده.
الين الياباني إلى أين؟
أولًا، يجب أن تضع في اعتبارك أن الين الياباني مستمر في العمل كعملة ملاذ آمن في أوقات المخاوف والتوتر. فأثناء موجات القلق، يميل المتداولون إلى شراء الين. ولكن مع احتمال تشديد الفيدرالي للسياسات في وقت أقرب من المخطط له، فستميل الكفة إلى فوة الدولار الأمريكي على المدى القريب، بينما ستكون التوقعات هبوطية للذهب وزوج "الدولار/ين".