يبدو أن هناك مساراً أكثر تشدديًا يلوح في أفق السياسة النقدية في الولايات المتحدة، فقد يؤدي التضخم المرتفع في الوقت الراهن إلى إجبار البنك المركزي الأمريكي على رفع أسعار الفائدة مرتين على الأقل بنهاية عام 2023، ولا شك أن هناك تحدي سيواجه الاحتياطي الفيدرالي في تفسير مواقفة إزاء السياسة النقدية المتطورة، ففيما يحذر جيروم باول سيد الاحتياطي الفيدرالي من أن تنبؤات الزيادات المستقبلية يجب أن تؤخذ بحذر، بدأ مسؤولون آخرون في تعويم الجداول الزمنية السابقة للزيادات الأولى في الأسعار.
مع ارتفاع التضخم وتحسن الاقتصاد الأمريكي من الجائحة، ستظهر بجلاء الاختلافات التقليدية المتشددة في لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية، وبالتالي يتوقع زيادة في أسعار الفائدة بحلول 2022، ولا شك أن التضخم هو المحرك الأكبر لتغيير تفكير مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي بشأن توقيت ارتفاع أسعار الفائدة باعتباره العامل الرئيسي بشكل متكرر أكثر من تحسن التوقعات لسوق الوظائف الأمريكية أو ارتفاع أسعار المنازل.
قفزت أسعار المستهلكين الأمريكيين هذا العام بما يتجاوز أعلى التقديرات، ومع ذلك اصطدم الطلب القوي على السلع والخدمات مع قيود سلسلة التوريد واسعة النطاق، ومن الصعب التفكير في بيئة مؤيدة للتضخم بشكل أكبر، فقد كان الاحتياطي الفيدرالي عدوانيا بقدر هدفه في تعزيز النمو، ونعتقد أن السياسة المالية مرتاحة بشكل لا يصدق وهناك قيود على العرض، وجزء أساسي من الحفاظ على مصداقية الاحتياطي الفيدرالي مرتبط أساساً بمدى الاستجابة للبيانات.
بدأ البنك المركزي لأمريكي بالفعل في دراسة متى يبدأ في تقليص برنامجه الشهري لشراء الأصول البالغ 120 مليار دولار، الذي تعهد المسؤولون بالمحافظة عليه حتى يحققوا تقدماً إضافياً كبيراً بشأن أهدافهم المتمثلة في بلوغ 2 في المائة من متوسط التضخم والتوظيف الكامل، ومن المرجح أن يسبب ارتفاع معدلات التضخم الأمريكية في مشاكل للاقتصادات الناشئة، فارتفاع العائدات يضغط على الدول التي تعاني من ديون ضخمة وأوضاع مالية عامة غير مستقرة، وينبغي أن تشعر الاقتصادات الناشئة بالقلق حيال التضخم في الولايات المتحدة أكثر من قلقها بشأن التضخم لديها.
تعد أسعار الفائدة المرتفعة أخبارا سيئة للأسواق الناشئة، التي يعاني الكثير منها من وطأة الديون المقومة بالدولار، ومع زيادة عائدات الديون الأمريكية، سيبدأ المستثمرون في المطالبة بعائدات أعلى على أصول الأسواق الناشئة ذات المخاطر الأعلى، مما سيؤدي إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض، وعادة ما يؤدي ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة إلى هروب رأس المال من الاقتصادات الناشئة ويقوي العملة الأمريكية، مما يضعف عملات الدول النامية ويضر بالمالية العامة للدول التي لديها الكثير من الديون الدولارية.