أتذكر جيداً لقائي المرئي مع ” CNN بالعربية” صيف 2017 بعمان الأردنية وتعرفي للمرة الأولى على المحرر التنفيذي مصطفى العرب الذي كان مع طاقم عمله يجري لقاءات مع المتحدثين بأحد المؤتمرات المُتعلقة بالمالية الإسلامية وذلك لكي يتم عرضها لاحقاً بالموقع الإخباري العربي التابع لقناة سي إن إن الإخبارية. حينها تحدثت بشغف عن كون المستقبل سيكون لدور الأفراد مع الإصدارات الحكومية وتمويل مشاريع البنية التحتية.
وتبع ذلك تحليل نشرته صحيفة «الجزيرة» في (3 أبريل 2018م) ذكرت فيه بأننا نتمنى أن نرى «مبادرة خاصة بتجزئة أسعار الوحدات الخاصة بالصكوك ليتحمل الأفراد أسعارها ومن ثم الاستثمار بها”. وفي أواخر أبريل 2019 حققت أسواق الدخل الثابت السعودية أولى خطواتها الإصلاحية بعد الإعلان عن تخفيض كلفة وحدة الصكوك، وذلك عند مستويات تكون بمقدار الأفراد. لاحظ أن الدولة قد تعهدت قبل ذلك بتحمل الزكاة الخاصة بالصكوك الحكومية.
تحديات تطبيق القرار
وجاء قرار تفعيل تخفيض القيمة الاسمية للصكوك الحكومية المدرجة لتكون في متناول الأفراد ،جرى تفعيله في 9 يونيو 2019، ليعني أن السعودية قد فتحت المجال أمام مواطنيها للمشاركة في دعم المشاريع التنموية في البلاد، في خطوة تقدمية تتماشى مع كثير من الدول حول العالم التي تتبع هذا النهج.
وأسهمت الإصلاحات الاقتصادية التي عمت أسواق الدخل الثابت في المملكة في جعل مسألة استثمار الأفراد بالصكوك أمرا ممكنا، بعد تخفيض القيمة الاسمية للصك إلى ألف ريال (مقارنة سابقا بمليون ريال). وبذلك تصبح السعودية الدولة الثانية بين دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي تتيح صكوك الادخار لمواطنيها بعد البحرين (2015).
عندها بدأت ترد إلى تحديات تواجه الأفراد المُتحمسين لهذا النوع من الاستثمارات. أتذكر حينها ظهوري مع قناة العربية والذي ذكرت فيه أن عدم تواجد المنصات الإلكترونية لتداول الصكوك الادخارية (من شركات الوساطة) قد غيب معظم صفقات الأفراد وكيف أن على المستثمرين الأفراد المرور بـ”المنحنى التعليمي” من أجل معرفة “عوالم” الصكوك الادخارية.
شركات الوساطة المُتفاعلة
وبعد مرور 27 شهراً على قرار تفعيل تخفيض القيمة الاسمية للصكوك الحكومية المدرجة لتكون في متناول الأفراد فإن هناك فقط 8 شركات وساطة من بين 30 التي تسمح بنيتها التحتية بتداول الصكوك إلكترونيا. تلك الشركات هي هيرميس (CA:HRHO) السعودية، سامبا والجزيرة (SE:8012) وإتش إس بي سي (LON:HSBA) والإنماء (SE:1150) ودراية والاستثمار كابيتال والرياض المالية.
وساهمت الإصلاحات الاقتصادية، التي تشهدها البلاد في إضافة وعاء استثماري جديد لم يكن متوفرا للأفراد من قبل. ففي السابق كانت استثمارات الأفراد مقصورة بشكل كبير بين الأسهم والعقار، أما الآن فقد بات المجال مفتوحا أمامهم لتنويع مخاطر الاستثمار وتجربة الاستثمار الآمن مع حكومة بلادهم. وتمثل الصكوك الادخارية خيارا مناسبا لمن لديه أموال فائضة لا يحتاج إليها، ويبحث في الوقت نفسه عن توزيعات ثابتة سنويا.
ومن أهم المبادرات المنضوية تحت برنامج تطوير القطاع المالي هو دعم ثقافة الادخار، وإنشاء كيان (SE:2350) وطني مستقل للادخار مهمته تقديم منتجات ادخارية للأفراد مدعومة من الحكومة وذلك لتوليد المنافسة على الودائع الادخارية مع القطاع الخاص. ومن المنتظر أن ترفع منتجات تلك المبادرة من نسبة ادخار أفراد المجتمع.
مع العلم أن معدل الادخار في الأسر السعودية يبلغ 2.4 في المائة من الدخل السنوي المتاح، مقارنة بالمعدل العالمي البالغ 10 في المائة بحسب وثيقة برنامج تطوير القطاع المالي. وجاء التدخل الحكومي عبر تشجيع القطاع المالي على طرح عدة منتجات ادخارية. وتعد الصكوك الادخارية أهم تلك المنتجات المالية في الوقت الحالي.