الخبر الذي طال انتظاره، رسميًا، مجلس الاحتياطي الفيدرالي يُعلن إنهاء إجراءات التحفيز العنيفة في حقبة الوباء. إذ قرر الفيدرالي في 3 نوفمبر 2021، إنه بصدد إنهاء شراء السندات الذي كان مطبقًا منذ مارس 2020. وهي عملية يطلق عليها وول ستريت "التقليص التدريجي أو Tapering". لكن ما الذي يعنيه ذلك بالضبط؟
1. ما هو التقليص التدريجي (Tapering)؟
- تشير عملية (Tapering) إلى سياسة إلغاء عمليات الشراء الهائلة لسندات الخزانة والأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري. ومنذ مارس 2020، اشترى الفيدرالي ما يزيد عن 4 تريليونات دولار من السندات، فيما يعرف باسم التيسير الكمي.
وقال الفيدرالي أنه سيخفض مشتريات السندات بمقدار 15 مليار دولار كل شهر بداية من منتصف نوفمبر. ويشتري البنك المركزي الأمريكي ما قيمته 120 مليار دولار من سندات الخزانة الأمريكية شهريًا لمكافحة آثار جائحة كورونا ودعم الاقتصاد الأمريكي. وبينما قال الفيدرالي إنه قد يغير وتيرة التقليص إذا لزم الأمر، إلا أنه إذا استمر بهذه الوتيرة، فسيتوقف شراء أصول جديدة بحلول منتصف 2022.
2. ما هو التيسير الكمي؟
التيسير الكمي، (Quantitative easing - QE)، هو أداة غير تقليدية من أدوات السياسات النقدية، تعتمد على شراء أنواع مختلفة من الأصول على نطاق واسع، بما في ذلك السندات الحكومية وسندات الشركات والأوراق المالية الأخرى.
وتبنى بنك الاحتياطي الفيدرالي هذه السياسة لأول مرة خلال الأزمة المالية لعام 2008 بعد أن خفض سعر الفائدة إلى الصفر تقريبًا.
ولكن مع الفائدة عند 0% وعدم ارتفاع التضخم حينها، لم يعد الفيدرالي قادرًا على استخدام أداته التقليدية، معدلات الفائدة، لدعم العمال وتحفيز النمو الاقتصادي من خلال جعل الاقتراض أرخص. وهكذا اتجه الفيدرالي إلى التيسير الكمي كطريقة لمواصلة توفير الأموال للاقتصاد وخفض تكاليف الاقتراض للشركات والمستهلكين أكثر. وعن طريق شراء السندات، يرتفع سعرها، مما يقلل من عائدها أو سعر الفائدة.
الخلاصة، التيسير الكمي هو مجرد طريقة راقية لطباعة الأموال وضخ السيولة في الاقتصاد.
3. لماذا يقلص الاحتياطي الفيدرالي برنامج شراء السندات الآن؟
السبب الرئيسي هو المخاوف المتزايدة من أن استمرار ارتفاع التضخم قد يضر بالاقتصاد، مما دفع الفيدرالي إلى تغيير سياسته.
التضخم هو معدل التغير في أسعار السلع والخدمات، وبحلول أكتوبر 2021، ارتفع التضخم بنسبة 5.4٪ عن العام السابق. وهو أعلى من هدف الفيدرالي للتضخم السنوي عند 2٪. ومن وجهة نظر الفيدرالي، الزيادة الأخيرة في مؤشر أسعار المستهلكين (CPI) مدفوعة بعوامل انتقالية مرتبطة بالوباء، مثل الزيادات في تكلفة السيارات المستعملة، وتزايد طلب المستهلكين، ومشاكل سلسلة التوريد.
والهدف من عملية التقليص التدريجي هو مساعدة الفيدرالي على تحقيق التوازن بين مهمتيه الرئيسيتين: الحفاظ على استقرار الأسعار (التضخم) والبطالة عند أدنى مستوى ممكن. وتسبب الوباء في إحداث فوضى في هذين المؤشرين.
ومن خلال إزالة بعض الدعم الطارئ للاقتصاد وسحب الأموال الهائلة من الأسواق، يأمل الفيدرالي أن يتمكن من السيطرة على التضخم المرتفع.
4. هل يعني هذا رفع أسعار الفائدة قريباً؟
إذا استمر ارتفاع التضخم، قد يضطر الفيدرالي إلى رفع أسعار الفائدة قريبًا - وهو أمر قد يؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي أكثر.
ومع ذلك، صرح جيروم باول، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي، إنه "حان الوقت التقليص، لأن الاقتصاد حقق تقدمًا كبيرًا نحو أهدافنا"، ولكن "لا نعتقد أن الوقت حان لرفع أسعار الفائدة". وسيواصل البنك المركزي الأمريكي دعمه فيما يتعلق بأسعار الفائدة المنخفضة وغيرها من الإجراءات - حتى يحقق أقصى قدر من التوظيف واستقرار الأسعار.
ويتوقع المستثمرون أن يرفع الفيدرالي الفائدة في وقت أقرب مما هو مخطط له في منتصف 2022.
5. كيف سيحرك التقليص الأسواق؟
- لم تكون أخبار التقليص مفاجأة لوول ستريت، لأن الفيدرالي كان يُجهز الأسواق والمستثمرين لهذا القرار منذ شهور. لذلك لم تشهد الأسواق تقلبات عنيفة أو "نوبة غضب - taper tantrum"، مثل ما حدث عند بدء التقليص في 2014. بل في الواقع، ارتفعت مؤشرات الأسهم الأمريكية بعد إعلان الفيدرالي عن القرار إلى أعلى مستوياتها.
وبالنسبة للدولار الأمريكي، تختلف صورة السياسة النقدية العالمية هذه المرة، إذ يراهن بعض المستثمرين على أن البنوك المركزية في المملكة المتحدة وكندا والاقتصادات قد ترفع أسعار الفائدة قريبًا لمحاربة الارتفاع العالمي في التضخم. كما تزداد الدلائل على قلق الفيدرالي بشأن التضخم، مما سيدعم رفع الفائدة الأمريكية في وقت أقرب، وهذا سيدعم الدولار كذلك.