هل يعد الإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير أحد أكبر الألغاز في الاقتصاد العالمي، رغم القفزة الرهيبة في مستويات التضخم؟، فبالرغم من أن رفض تغيير أسعار الفائدة طويلة الأجل حدث جديد ومفاجئ، إلا أنه سلوك منطقي تماماً، فالاعتقاد السائد هو أن التضخم الحالي مؤقت، مع أن العالم دخل فعلياً الحقبة التي أصبح فيها التضخم جزءاً لا يتجزأ من النظام وترتيبات المستهلكين، لكن شيئاً أعمق يحدث، فتثبيت سعر الفائدة ما هو إلا انعكاس لمستويات خطيرة من الديون.
على مدى أربعة عقود زاد إجمالي الدين العالمي أكثر من ثلاثة أضعاف ليصل إلى 350 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وقد ساعد تخفيض البنوك المركزية أسعار الفائدة لأدنى مستوياتها، على سهولة تدفق الأموال إلى الأسهم والسندات والأصول الأخرى مما عزز حجم الأسواق العالمية بحيث أصبح حجمها أربعة أضعاف حجم الناتج المحلي الإجمالي العالمي، في الوقت الذي يشعر فيه مستثمرو سوق السندات بأن الاقتصاد العالمي الغارق في الديون رافض لارتفاع أسعار الفائدة.
في ذروة الوباء، كان الاحتياطي الفيدرالي يشتري 41 في المائة من جميع إصدارات سندات الخزانة الجديدة، لكن العوائد طويلة الأجل ظلت قريبة من أدنى مستوياتها القياسية حتى بعد أن بدأ البنك الأمريكي الإشارة في أوائل الخريف، إلى خططه لإنهاء مشترياته من السندات، ورغم ذلك، تتوقع الأسواق أن يجبر ارتفاع التضخم والنمو البنوك المركزية على رفع أسعار الفائدة قصيرة الأجل ابتداء من العام المقبل، وفي الواقع، يؤدي ارتفاع أسعار الفائدة قصيرة الأجل إلى وضع أسواق السندات الحكومية على مسار أسوأ عام من العائدات منذ 1949.
بغض النظر عما يحدث في المدى القريب للتضخم والنمو، فإن أسعار الفائدة على المدى الطويل لا يمكن أن تتحرك إلى أعلى لأن العالم مثقل بالديون، ومع نمو الأسواق المالية وإجمالي الديون كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، تصبح الأسواق هشة، إذ تصبح أسعار الأصول وتكلفة خدمة الدين أكثر حساسية لارتفاع أسعار الفائدة، وقد ارتفع عدد الدول التي يبلغ إجمالي الديون فيها أكثر من 300 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي خلال العقدين الماضيين من 6 دول إلى 20 دولة، بما في ذلك الولايات المتحدة.
.