قال "تشرشل" يومًا أن " روسيا لغز يلفه الغموض داخل أحجية"، ويثبت الوضع الراهن صحة مقولته. فمع مرور ٤ أيام وحلول اليوم الخامس منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، ومع كل العقوبات التي فرضها الغرب على روسيا و"بوتين" والزمرة المقربة منه، وإعلانهم عن إرسال تعزيزات أسلحة لدعم الجيش الأوكراني في مواجهة روسيا، فضلاً عن الهجوم السيبراني الذي تتعرض له مواقع حيوية في روسيا، إلا أننا نشهد ثبات تام من قبل "بوتين" وإدارته وابتسامة مخفية تعتري وجهه مع كل ظهور!
وهذا إن دلّ على شيء، فهو يدل على أن "بوتين" لم يقدم على الخطوة العسكرية إلا وهو متحضر لكل أنواع العقوبات التي يمكن أن يفكر فيها كل من دول الغرب وينصاع لها الغرب.
استعداد "بوتين" وادارته لهذه الخطوة ليس وليد اللحظة ولم يستعد لها منذ أيام أو أشهر، حيث إذا ما عدنا لتقارير إعلامية غربية وعربية، نجد أنه استعد لها منذ سنوات وفي الداخل الروسي قبل الخارج . فعلي سبيل المثال لا الحصر واستنادًا لتقارير الإعلام والصحافة، فقد جاء في صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، أن "بوتين" لديه خطة للقضاء على حركة المعارضة المتمثلة في "التحالف الشعبي"، بهدف تقسيم المعارضة الليبرالية عبر خلق صورة سياسية زائفة توحي بتعدد الأحزاب، وذلك عبر تأسيس حزب "الشعب الجديد" الذي أسسه صاحب شركة مستحضرات تجميل، "أليكسي نيتشاف". ولا ننسى "حزب روسيا العادلة" الذي ساعد المستشار الداخلي السابق لدى لبوتين، "فلاديسلاف سوركوف" في تشكيله ٢٠٠٦ لملء الفراغ الزائف في معارضة يسار الوسط عام ٢٠١١.
وإذا أخذنا هذه التقارير بعين الاعتبار، نجد أنه عبر إضعاف المعارضة الداخلية، ضمن "بوتين" بذلك أنها لن تشكل مصدر قلق له حين يفرض الغرب أو أمريكا عقوبات وينعكس أثرها على المواطنين عندما تحين اللحظة التي كما ذكرنا أننا نكاد نجزم أنه كان يخطط لها منذ زمن. ولا يمكن إغفال أن روسيا قد نوعت من احتياطيها النقدي منذ سنوات حتى بات الدولار الأمريكي لا يمثل سوى تقريبًا ١٦٪ فقط من إجمالي هذا الاحتياطي النقدي لها، وفي يناير الماضي بلغ الاحتياطي لدى روسيا من عملات وذهب مستوى قياسي، تتجاوز قيمته ٦٣٠ مليار دولار، كما أنشأت نظام الدفع الخاص بها،"SPFS" الذي يشترك به قرابة ٤٠٠ مؤسسة مالية بعد أن تعرضت للعقوبات الغربية في عام ٢٠١٤.
· الاحتياطي الدولي الأسبوعي لبنك روسيا لروسيا الاتحادية
ومع ردود الفعل الروسية الهادئة حتى اللحظة إزاء العقوبات التي فرضت بالأمس، يتبين لنا أن بوتين ربما قد حضر نفسه هو وإدارته لأقصى درجات رد الفعل من قبل الولايات المتحدة ودول أوروبا والتي ربما قد تصل لمواجهة عسكرية وكيف سيرد عليها.
وهنا نتساءل، هل عاقب الغرب والولايات المتحدة روسيا حقًا، أم انهم أخطئوا الحسابات وربما يدفعوا هم ثمن هذه العقوبات؟
ولماذا أقدم "بوتين" على هذا الأمر من الأساس؟
الدور الإعلامي
في عام ٢٠١٤، وقع مما يعرف بإسم "الثورة الأوكرانية" أو "ثورة الكرامة" وبعد أحداث عنيفة بين المتظاهرين من جهة وقوات مكافحة الشغب ومسلحين مجهولين من جهة، أدت لطرد الرئيس السابق "فيكتور ياكونوفيتش". أسقط النظام الذي جعل من أوكرانيا بلدة تابعة لروسيا الاتحادية.
كان سبب الثورة ناتج عن حملة غربية ممنهجة كبيرة بقيادة الأمريكيين تحت بند الخلاص من التبعية الروسية. لم تعترف روسيا بالحكومة المؤقتة التي اتخذها "الجلاديو" جيش الناتو السري هناك من وجهة النظر الروسية.
في ذلك الوقت من عام ٢٠١٤ كان الحكم في أمريكا بيد اليساريين بقيادة الحزب الديمقراطي، ولم يخفى وقتها أن الضوء الأخضر قد أعطي لروسيا لدخول شبه جزيرة القرم، وعلى نفس السياق تداول الإعلام الغربي أمر فرض العقوبات والرد الحاسم. وما هي إلا أشهر حتى فتحت منافذ العبور لشبه جزيرة القرم التي مثلت الحل الأوحد للروس للحفاظ على أمنهم القومي، رغم يقينهم أن احتلالها يصب في مصلحة الغرب الذي يتربص بروسيا.
بعد الثورة فاز "بوروشينكو"، كرئيس لأوكرانيا بعد نصر ساحق في الانتخابات في ٢٠١٤، وأعادت الحكومة الجديدة تعديل دستور أوكرانيا لعام ٢٠٠٤. وبهذا ضاق الخناق الأمريكي حول روسيا، ونجحت أمريكا في:
· عزل أوكرانيا عن النفوذ الروسي.
· تحويل أوكرانيا لدولة أوروبية تابعة لها.
· تحريض الروس لاقتحامها عسكريًا.
قامت مظاهرات حاشدة موالية لروسيا وضد الثورة في المناطق الشرقية من البلاد، انتهت باستحواذ روسيا على "شبه جزيرة القرم" بالكامل وتأسست دولة مستقلة في "الدونيتسيك" و "لوهانسيك" إلا أن "أوكرانيا" ووفقا لما ارتأته روسيا، فقد سقطت في يد الغرب ومن خلفهم أمريكا وباتت أداة يستخدمونها ضد روسيا.
ومنحت روسيا أمريكا الشرعية الدولية لفرض العقوبات، التي من شأنها أن تضعف روسيا اقتصاديًا ولوجستيا ويضرها عسكريًا.
إلا أن أمريكا لم تدرك آنذاك أن الصين كانت تحضر لحليف قوي لقيادة العالم، وهنا نقصد روسيا الذي أعلن "الحلف الصيني الروسي لا حقًا بشكل رسمي عام ٢٠١٨ وعلى كافة الأصعدة. بعد عامين من أحداث الثورة الأوكرانية، تحديدًا ٢٠١٦، بدأت حزب "التنمية والعدالة التركي" يخرج عن نطاق "معاهدة لوزان" لعام ١٩٢٣، وتأكد لدى أمريكا أن تركيا تجري اتفاقات مع روسيا على الصعيد العسكري والاقتصادي، فقررت الدولة العميقة التركية الموالية للحزب اليساري العالمي وبأمر مباشر من الدولة العميقة الحاكمة بتجهيز انقلاب عسكري ضد "أردوغان" لكنه باء بالفشل ودفع تركيا نحو روسيا والصين بشكل أسرع للانضمام للحزب الشرقي المضاد للحزب الغربي الأمريكي.
لكن وقتها اشترطت روسيا على تركيا فتح البحر الأسود بالكامل، لكن تركيا والتي إلى اليوم تخضع تحت مظلة حلف الناتو بقيادة أمريكا لا تقوى على أن تنفذ مثل هذا الشرط دون موافقة العم سام. ولأن الأمر يصب في المصلحة الأمريكية، أعطي الضوء الأخضر للرئيس "أردوغان" بفتح البحر الأسود أمام الروس بعد أن كان مغلقا وسببًا في عزل روسيا لسنوات وراء مياهه. تزامن مع ذلك حشد قوة عسكرية كبيرة في اليونان تحسبًا لأي خروج تركي من تحت مظلة الغرب والدخول تحت مظلة الشرق.
إلا أن تحالف روسيا والصين كان بالفعل قد نقل اللعبة على ملعب الأمريكيين، ولذلك قامت أمريكا فورًا بمحاصرة الصين عبر اليابان وكوريا الجنوبية والدول الأسيوية، وفي الوقت نفسه نشرت قوات الناتو بالقرب من روسيا. وبخطوة غير مسبوقة انسحبت أمريكا بشكل كامل من أفغانستان، وقاموا بتسليح طالبان بشكل غير مباشر عبر وسطاء إقليميين بهدف إقامة جدار قوي في وجه الروس، وهو نفس الأسلوب الذي اتبعته ضد الاتحاد السوفيتي بالسابق. ولأن الخطة الأمريكية تتكرر، فباتت مكشوفة لدى الروس، بدأت القوة الصينية الروسية تكبر وتشكل تهديدًا للقوة الغربية التي تقودها أمريكا. فما كان من أمريكا إلا أنها اتبعت سياسة جديدة لجر الروس نحو حرب قد يطول أمدها، عن طريق استفزاز الروس من خلال نشر قوات حلف الناتو على الحدود الروسية وتهديد روسيا بشكل علني.
وفي مطلع عام ٢٠٢٠، دعت أوكرانيا للدخول في الناتو بحجة حمايتها من الروس، ومع سعي أوكرانيا لذلك، لم يصبح أمام روسيا سوى التدخل العسكري في أوكرانيا لحماية أمنها القومي من هذا التهديد الفج والصريح، وضم أوكرانيا للاتحاد الروسي، وبهذا تربح أمريكا عدة نقاط:
· جر روسيا نحو الحرب.
· جعلها تهديدًا عسكريًا على رقاب الدول الأوروبية التي باتت تخرج عن سيطرة أمريكا.
· هذا التهديد يدفع الدول الأوروبية للتوجه نحو أمريكا.
· ادخال أمريكا الدول الأوروبية بحرب يطول أمدها ضد الروس ومن وراءها الصين.
· في حال بدأت الحرب العالمية الثالثة التي قد يكون العرب طرفًا فيها، تضمن أمريكا انها الطرف الغير مباشر فيها وتراقب من مقعدها الخلفي كما حدث في الحرب العالمية الأولى والثانية، لتدخل متأخرًا وتجني الغنائم.
نجت أمريكا في جر روسيا نحو الحرب الإقليمية التي انطلقت شرارتها بدخول روسيا إلى أوكرانيا دون أن تفارق أمريكا مقعدها الخلفي ودور المراقب الذي اعتادت تبوقه في كل حرب.
ومن تصريحات "بوتين" وإدارته، وكما تحدث السفير الروسي في مصر “جيورجي بوريسينكو"، نجد أن وجهة نظرهم تتلخص في أنه على مدى ٨ سنوات عانى ٢ مليون هم سكان يقطنون إقليم الدومباس من ويلات الجيش الأوكراني، راح فيه ٨ آلاف ضحية مجازر. ورغم وعد "زيلينسكي" بإنهاء الصراع الذي طال أمده مع روسيا كجزء من حملته الرئاسية، والتي فاز بها خلفًا لـ "بوروشينكو"، لم يفي بوعده واستمر اضطهادهم بشكل فج داومت خلاله القوات العسكرية الأوكرانية على مهاجمتهم وارتكبوا بحقهم مجازر وصلت لحرقهم أحياء تحت تعتيم إعلامي كامل، لدرجة أنك لو حاولت أن تبحث في محرك البحث "جوجل (NASDAQ:GOOG)" عن شن الجيش الأوكراني هجومًا على الانفصاليين لن تجد شيئًا!.
ومع طلب "زيلينسكي" الانضمام للاتحاد الأوروبي، وحلف الناتو الذي يضمن للحلف نشر قواعد عسكرية ومنصات صواريخ تجعل روسيا مهددة بوصول صواريخ إلى موسكو في وقت لا يتزاوج ٣ دقائق يصعب معها تصدى المضادات الروسية لها. قررت روسيا الوقوف في وجه من سمتهم بـ "النازيين الجدد" و "الأداة الأمريكية" للنيل من روسيا عسكريًا. وأن روسيا لن تكترث للإعلام الموجه الذي يظهرها بصورة المعتدي وليس المدافع عن سلامة أراضيه من تهديد غربي حقيقي والترويج لكذبة أنه يتعرض للمدنيين.
ربما لا يكون كل ما ذكرته روسيا وإدارتها حقيقي، ولكن ما لا يمكننا الاختلاف عليه، أن مصطلح " الإعلام الموجه" ليس بجديد، ومعهود منذ زمن. وربما كل منكم الآن تذكر قضية معينة شعر في لحظة ما أنه كان هناك توجه إعلامي معها أو ضدها. ولم يمضي وقت طويل على التوجه الإعلامي الذي شهدناه في الانتخابات الأمريكية الرئاسية الأخيرة. حيث شهدنا كيف اتحد الإعلام ووسائل التواصل بكل أشكالها على قمع ومنع الرئيس الأمريكي السابق "ترامب" من الظهور الإعلامي، أو على أي منصة تواصل في أعقاب حادثة "الكابيتول" بفترة بسيطة". وأصبح للإعلام ووسائل التواصل رأي واحد لا يسمح للرأي الآخر بإيصال صوته عبره.
هذا يجعلنا نفترض صحة ما قالته روسيا مثلما نفترض صحة ما نسمعه في الإعلام ووسائل التواصل لنرى المشهد من منظور حيادي. ومن هذا المنطلق، فإن الوقت وحده كفيل لكشف الحقيقة المطلقة، وما إذا كان ما يحدث الآن هو دفاع من قبل روسيا ضد أطماع الغرب، أم أن ما يحدث الآن هو هجوم روسي يقف ضده الغرب.
أهمية روسيا وأوكرانيا لاقتصاد العالم
بالنسبة لروسيا تشكل صادراتها إلى العالم: ١٨٪ من القمح و١٧٪ من الغاز، و١٢٪ من النفط، و٢٠٪ من الأسمدة، أما عن أوكرانيا: ١٦٪ من الذرة، و١٢٪ من القمح، و٨٪ من الحبوب، و٦٪ من الشحوم الحيوانية والنباتية، ومع إعلان قادة المفوضية الأوروبية وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة وجارتها كندا.
اتخاذ إجراءات عقابية ضد روسيا بعد هجومها العسكري على أوكرانيا والتي تشمل في:
· استبعاد بنوك روسية كـ "نوفيكم بنك"، و"بروم بنك"، وسوفكم بنك" عن نظام سويفت باستثناء بنكين.
· فرض إجراءات تقييدية على البنك المركزي تحد من قدرته على دعم الروبل.
· الحد من بيع الجوازات الذهبية للأثرياء الروس المرتبطين بالكرملين كي لا يصبحوا مواطنين في دول أخرى.
· تجميد أرصدة رجال الأعمال الروس ومسؤولين كبار بما فيهم "بوتين" نفسه ووزير خارجيته "لافروف".
· تعليق مشروع الغاز "نورد ستريم ٢".
· الحد من قدرة روسيا الحصول على المواد ذات التقنية الفائقة كأشباه الموصلات.
لم يتبقى الآن سوى انتظار رد فعل الرئيسي "بوتين" على هذه العقوبات! ودعونا نستذكر رد فعله حين أغلقت بريطانيا مجالها الجوي أمام الطيران الروسي، جاء رد الفعل بإغلاق المجال الجوي أمام الطائرات البريطانية سريعًا. ربما لا تكون المقارنة عادلة بين هذا الأمر وجملة العقوبات الأخرى، لكنه يبين لنا أن رد فعله يأتي على نفس القدر. ومع حزمة العقوبات التي فرضت الآن والتي فاقت العقوبات التي فرضت على إيران من قبل، فهل يفعلها ويعاقب الغرب بنفس القدر؟
ما هي الأدوات المتاحة لدى "بوتين" للرد على الغرب؟
الغاز الطبيعي والنفط
استثنت العقوبات الأمريكية والغربية على روسيا ورئيسها قطاع الطاقة. رغم أنه في العام الماضي فقط تمكن قطاع النفط والغاز من توفير ما نسبته ٣٦٪ من الميزانية الوطنية لروسيا. فلماذا لم تشمل العقوبات قطاع الطاقة؟!
ببساطة، يعتمد الاتحاد الأوروبي على روسيا في توفير ٣٥٪ من احتياجه من الغاز الطبيعي، مع الأخذ بعين الاعتبار أن بعض الدول تعتمد أكثر من غيرها. وحين اقتصر الأمر على توترات فقط بين كل من روسيا وأوكرانيا ارتفعت أسعار النفط وتفاقمت أزمة أسعار الوقود الأوروبية التي بدأت العام الماضي. ومع بدء الاجتياح العسكري الروسي لأوكرانيا تسببت المخاوف بشأن إمكانية أن تشمل العقوبات قطاع الطاقة أو أن يقابل ما فعله برد فعل عسكري بارتفاع أسعار الغاز الطبيعي يوم الخميس الماضي بنسبة ٥١٪ في أوروبا، ووصل سعر برميل النفط الخام إلى ١٠٥ دولارًا ومن ثم تراجعت قليلًا.
فما هي السيناريوهات الممكنة؟
أولًا: لا يستبعد الخبراء أن تتبع أمريكا وأوروبا استراتيجية أكثر صرامة إزاء الطاقة الروسية، ولكن ماذا إن سبقتهم روسيا لذلك وأوقفت الامدادات!
ثانيًا: أن تنجح المحادثات مع إيران ويتم التوصل لاتفاق وترفع العقوبات ويستعاض بالنفط الإيراني عن الروسي، ولكن احتمالية عدم تخلي إيران عن حليفها الروسي ايضًا واردة. وبالتالي، قد تعرقل هي المحادثات حتى يتضح المشهد لها.
ثالثًا: أن تتوجه أمريكا بطلب للسعودية بالخروج من "أوبك+" وبالتالي يرفع إنتاج السعودية للنفط، وبالفعل بالأمس تلقى الأمير "محمد بن سلمان" اتصال بين الرئيس الفرنسي "ماكرون. وأكد فيه الأمير "محمد" حرص بلاده على استقرار وتوازن أسواق البترول، والتزام المملكة باتفاق "أوبك+”، وذلك خلال مناقشة آخر المستجدات الإقليمية والدولية والجهود المبذولة بشأنها، وتأثير الأزمة الأوكرانية على أسواق الطاقة
لا شك أن أي من هذه السيناريوهات قد يذبذب أسعار النفط والغاز بشكل قوي، لكن لا نظن أنه سيكون هناك ارتفاع جنوني على المدى القصير إلا إذا قامت روسيا بوقف تصدير النفط والغاز للغرب قبل إيجاد بديل من قبلهم.
أما على المدى المتوسط والطويل، فالمصير مرهون بالتطورات على الساحة الأوكرانية.، وإلى أي مدى سيطول أو يتسع الحدث.
القمح الروسي والأوكراني
ارتفعت أسعار القمح الخميس لتبلغ أعلى مستوى لها منذ أكثر من ٩ سنوات، بسبب الأزمة الأوكرانية، والتي زادت من المخاوف بشأن تأثر الإمدادات العالمية. وارتفعت العقود الآجلة للقمح لشهر مايو في مجلس شيكاغو للتجارة بواقع ٥.٧٪ لتصل لنحو ٩.٣٤ دولار للبوشل وهو أعلى سعر منذ شهر يوليو ٢٠٢١ وفقا لوكالة رويترز. ويضع الصراع العديد من الدول العربية أمام تحد صعب يتمثل في مدى تأثير الصراع على الإمدادات الخاصة بهم من القمح.
في مصر على سبيل المثال، وهي أكبر مستورد للقمح في العالم، وثاني أكبر مستورد من روسيا، فقد اشترت ٣.٥ مليون طن حتى منتصف يناير. وأعلنت أن لديها مخزون يكفيها ٩ أشهر.
أما لبنان، فبعد انفجار مرفأ بيروت وانهيار إهراءات القمح فلم يعد لديها وفقا لممثل مستوردي القمح، سوى خمس بواخر في البحر محملة بالقمح جاءت من أوكرانيا، ومع المخزون الحالي لن يكفيها سوى لشهر ونصف. وبالانتقال لتونس، التي تستورد ٦٠٪ من قمحها من أوكرانيا وروسيا، فلديها مخزون يكفيها حتى يونيو. ومخزون جارتها الجزائر يكفي لستة أشهر على الأقل. أي وفي حال استعرت الأزمة أكثر وطالت، فإن هذا يعني انه يجب عليهم البحث عن دول بديلة للاستيراد منها والذي قد يكلفها أكثر وبالتالي تحمل التكلفة على المستهلك، الذي شأنه كشأن الكثير من المستهلكين حول العالم يشكون فعليًا من ارتفاع الأسعار. وفي حال فرضت روسيا سيطرتها على أوكرانيا وفرضت الأمر الواقع، فقد تتحكم بمصير القمح وتحدد لمن قد تبيعه، وعمن قد تمنعه، مما سيحدث أمة عالمية في الغذاء والأسعار.
تضخم أسعار الغذاء في العالم
قد لا يزال في جعبة روسيا الكثير من الأدوات التي ترد بها على الغرب وعلى كل من يقف ضدها، كالذهب، الهجمات السيبرانية، حلفائها، وأقوى الأدوات هو النظام المالي الموازي.