أشعلت الحرب الروسية الراهنة حماسة ملايين المزارعين الأمريكيين للاستفادة من القفزات السعرية للقمح بعد تضاؤل صادراته عبر البحر الأسود، فقرروا تغيير خططهم هذا الربيع بشكل جذري من خلال التركيز على زراعة هذا المنتج الاستراتيجي، وبالرغم من كثرة الآمال في هذا الاتجاه، إلا أن السؤال المسكوت عنه هو: هل تستطيع الصادرات الأمريكية ملء الفجوة في أسواق القمح العالمية؟، وإذا كان قد تم بالفعل زراعة معظم محصول القمح الأمريكي لهذا العام، فإن زيادة تكاليف الوقود والأسمدة يحدان من الحوافز التي تقدمها أسعار القمح في شيكاغو، والتي وصلت في مارس الجاري إلى 13.40 دولار لمكيال الحبوب، وهذا هو أعلى مستوى لها على الإطلاق.
من الطبيعي أن تستجيب سوق الحبوب للنقص الروسي عبر طرق أبواب مناطق أخرى لديها فائض، فعندما حظرت روسيا صادرات القمح بعد جفاف عام 2010، عوضت بعضها الشحنات الأمريكية، لكن أي رد أمريكي الآن سيستغرق بعض الوقت، بسبب ضعف محصول 2021، إذ وصلت مخزوناتها لأدنى مستوى في 14 عاماً، فقد زرع المزارعون 34.4 مليون فدان من القمح الشتوي، الذي يمثل أغلبية الإنتاج، في الوقت الذي يزداد فيه الجفاف سوءاً في الولايات المهمة التي تزرع القمح الشتوي مثل كانساس، وحتى مع ارتفاع الأسعار، فإن مستلزمات الإنتاج باتت عبئاً كبيراً، مع ارتفاع سعر الديزل إلى نحو خمسة دولارات للجالون، وهو الذي يحتاج إليه المزارعون لتشغيل جراراتهم وشاحناتهم وحصاداتهم، كما زادت أسعار الأراضي الزراعية في معظم الولايات المنتجة للحبوب بنحو 20 في المائة، مما حمل الفلاحين المستأجرين للأراضي الزراعية المزيد من التكاليف.
في الوقت نفسه، ترتفع تكاليف الأسمدة بشكل قياسي، بينما تستورد الولايات المتحدة 22.4 % من النيتروجين، و11.3% من البوتاس، وبالرغم من حالة التفاؤل الحذر بين المزارعين الأمريكيين بتحقيق مكاسب جيدة رافعين شعار "مصائب قوم عند قوم فوائد"، إلا أن هذه الأرباح ستعتمد بشكل أساسي على كمية وكفاءة المحصول، وسط مخاوف الجفاف، ودعوات المزارعين بهطول الأمطار، أما من لديهم بقايا مخزونات العام الماضي، فإن تحركات الأسعار الجامحة في الأسواق تصعب من تسويق المنتج، لأنهم يتشككون في بيئة تتغير فيها الأسعار بهذه السرعة الجنونية، ومن دون شك، فإن هذه الأسعار الاستثنائية لا تساعد المزارعين على المدى الطويل.