العالم اصبح متعدد الأقطاب ليست مقولات تتغنى بها الدول في الشرق من الصين الى روسيا والهند وباكستان وتركيا، الواقع يفرض نفسه فالعديد من الدول وجدت لنفسها موطأ قدم على الساحة الدولية، وتثبت الأحداث الحالية مدى هشاشة التحالفات الدولية في الغرب، والدليل على ذلك عدم الوصول الى موقف موحد بشأن الرد المناسب على روسيا سواءا بين الولايات المتحدة وأوروبا أو بين الدول الأوروبية فيما بينها، والمثال البارز على ذلك عدم وضوح الموقف الألماني اكبر اقتصاد داخل منطقة اليورو، وهنا تطرح مسألة لطالما اعتبرت نقطة ضعف الاتحاد الأوروبي وهي ضبابية بعض القضايا الحساسة داخل الاتحاد وتباين الآراء بشأنها ومن ذلك قضية الطاقة.
في ظل الضغط الذي تمارسه روسيا على الاتحاد الأوروبي في مجال امدادات الطاقة، والسعي المكثف للدبلوماسية الأمريكية لمساعدتهم تطرح مسألتين على درجة كبيرة من الأهمية
وهما:
- درجة صمود الاتحاد كمجموعة أمام ما ستقوم به روسيا من إجراءات في مجال الطاقة، والتي بدأها بفرض الروبل الروسي وسيلة وحيدة للدفع مقابل صادراتها للدول غير الصديقة وهي الدول الأوروبية تحديدا. فبالعض يرى بأن بعض الدول الأوروبية ستنشق عن القرارات التي تهدد أمنها الطاقوي نتيجة تبعيتها للغاز أو النفط الروسي وصعوبة إيجاد بديل في القريب العاجل.
- نوع الضغط الذي سيمارس على دول اخرى لتعويض الغاز والنفط الروسي لضمان فعالية العقوبات وتقليص منافذ افلات روسيا من العقوبات الحالية أو المحتملة، وقد بدأت الولايات المتحدة هذه المهمة حيث أبدت استعدادها لتزويد الأوروبيين بالغاز في حدود القدرات الفائضة لديها، وهي الآن تسعى لإقناع دول أخرى بدعم قرارها، ومن هذه الدول نجد قطر والتي خيبت امال الولايات المتحدة الأمريكية بصعوبة تحقيق هذا المطلب لسببين على الأقل، الأول هو عدم وجود قدرات فائضة وكذا بنية تحتية قادرة على تموين الأوروبيين بالغاز المسال، هذا من جهة ومن جهة ثانية أن قطر مرتبطة بعقود واضحة ومضبوط مع الزبائن الأسيويين وقد صرح وزير الطاقة القطري بأن قطر لن تتأثر بطفرة الأسعار الحالية وستلتزم بالأسعار المتعاقد عليها.
من جهة أخرى ينظر الكثير من المهتمين بهذا الموضوع الى الجزائر كأحسن بديل من حيث القرب الجغرافي وكذا التكلفة الاقتصادية لتعويض ولو جزء يسير من الغاز الروسي الا أن كل هذا غير ممكن لأسباب اقتصادية أهمها ضعف البنية التحتية لصناعة الغاز في الجزائر وكذا ضرورة القيام باستثمارات ضخمة لمد الانابيب عبر البحر الأبيض المتوسط حيث يتطلب ذلك رؤوس أموال ضخمة كما أن الانتهاء من هذه الاستثمارات إذا كان هناك قرار بالبدء فيها يستغرق وقتا 5 سنوات في أحسن الأحوال، والعامل السياسي الذي يجعل من الخيار الجزائري صعب لدرجة استحالته هو أن الجميع يطلب من الجزائر إعادة تشغيل أنبوب الغاز العابر للمغرب الى اسبانيا، فالتوتر بين الجزائر والمغرب اكبر من التنازلات الدبلوماسية التي يمكن للجزائر تقديمها للولايات المتحدة الأمريكية التي سيحل وزير خارجيتها بالجزائر نهاية الأسبوع، بالإضافة الى أن نوع التصريحات والمواقف التي تتخذها الدول الأوروبية تجاه قضايا في المنطقة تثير نفور وتحفظات من الجزائر اتجاه أي طلب من الدول الأوروبية خاصة فرنسا واسبانيا.
أوروبا تختبر وحدتها أمام اول اختبار وهو عملة الدفع للغاز الروسي الوارد اليها في انتظار قرار تخفيض الامدادات أو التوقف كليا من طرف روسيا.