العلاقة الطردية المتعارف عليها بين الذهب والتضخّم جعلت العديد من المتابعين للأسواق المالية ترى بأن سعر الذهب قد يرتفع مستفيداً من ارتفاع معدّلات التضخّم التي وصلت إلى مستويات هي الأعلى منذ سنوات. ووصل التضخّم في الولايات المتحدّة إلى 8.5% شهر مارس الماضي 2022، وهو أعلى مستوى منذ أربع عقود من الزمن، فيما ارتفع في بريطانيا والمملكة المتحدّة لأكثر من 7%، وهي مستويات لم نشهدها منذ نشأت منطقة اليورو.
وتضاعفت الأسعار في عديد من الدول مثل فنزويلا التي وصل فيها التضخّم لأكثر من 284%، والسودان التي سجّل فيها مؤشر أسعار المستهلكين قيماً قريبة من 260%، ولبنان بمعدّل تضخّم 208% وسوريا 139%. دول مثل الأرجنتين سجّلت تضخّماً عند 55.1% كما ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين في روسيا إلى 16.7% والبرازيل 11.3%. أكثر من 50 دولة في العالم وصل فيها معدّل التضخّم إلى 10% أو أكثر، وهذه الحالة تظهر بأن التضخّم ارتفع عالمياً.
لكن بالنظر إلى أسعار الذهب، سنجد بأن السعر انخفض الشهر الماضي أبريل بنسبة 2.1%، ويتداول هذا الشهر مايو على انخفاض بأكثر من 1.5% (بحسب الأسعار المتاحة في البورصات العالمية 09-05-2022 الساعة 09:15 صباحاً بتوقيت غرينتش) ليتم تداول المعدن الثمين عند أسعار ما دون 1870 دولار للأونصة الواحدة، مقارنة بأسعار وصلت إلى 2070 دولار خلال شهر مارس 2022.
وهنا يبرز السؤال، لماذا تنخفض أسعار الذهب رغم أن معدّلات التضخّم مرتفعة؟
لكن قبل الإجابة على هذا السؤال، ربما يجب عليك قراءة موضوع (هل حقّاً انخفضت أسعار الذهب عالمياً؟)
العلاقة الحقيقية بين الذهب والتضخّم
بالفعل، هنالك علاقة طردية بين سعر الذهب والتضخّم، فالذهب معروف بكونه غطاءً وتحوّطاً من التضخّم ومخاطر انخفاض القدرة الشرائية للنقد. لكن، بحسب الإحصائيات التي قمنا بمقارنتها في قسم الدراسات بمجموعة Equiti، استطعنا أن نلاحظ بأن العلاقة بين الذهب والتضخّم ليست مثالية إذا ما تمّت مقارنة التضخّم الحالي مع أسعار الذهب الحالية، إذ أن العلاقة الطردية تبرز بين أسعار الذهب الحالية مع توقعّات معدّلات التضخّم.
ماذا يعني ذلك؟ هذا يعني بأنه طالما كانت التوقعات تشير لاحتمال استمرار ارتفاع قيم التضخّم، هنا يستفيد الذهب ويرتفع. لكن، حتى عندما يكون التضخّم مرتفعاً، إذا أظهرت التوقعات احتمال انخفاض التضخّم، هنا تنخفض أسعار الذهب.
صورة توضّح كيف بدأ الذهب انخفاضه قبل بدء انخفاض التضخّم في الولايات المتحدّة عام 1980
وحصل نفس السيناريو عندما صعدت أسعار الذهب خلال الفترة التي بدأت النصف الثاني 2021 واستمرّت نحو الذروة الربع الأوّل عام 2022، حيث راهنت الأسواق المالية وكذلك الاقتصاديّون على ارتفاع هائل بالتضخّم عالمياً، يشمل الولايات المتحدّة الأمريكية. لكن، عندما وصل التضخّم في أميركا إلى 8.5% شهر أبريل الماضي، أفادت التوقعات بأن التضخّم في الولايات المتحدّة ربما يكون قريباً من ذروته وقد يبدأ بالتراجع، خصوصاً مع رفع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي الفائدة للمرّة الثانية على التوالي هذه السنة، من المستويات الصفرية إلى نطاق 0.75% - 1.00%.
كملخّص لما سبق، نستطيع نقول بأن أسعار الذهب ارتفعت بالفعل بسبب عدّة ظروف، كان أحدها توقعات ارتفاع التضخّم. لكن، بدأت أسعار المعدن الأصفر بالانخفاض اعتباراً من شهر أبريل عندما وصل التضخّم ذروته في الولايات المتحدّة عند 8.5% وبدأت توقعات تراجع معدّل التضخّم بالانتشار.
التوقّعات المستقبلية للذهب
بفعل رفع الفيدرالي وعدّة بنوك مركزية أخرى الفائدة، إلى جانب التباطؤ الاقتصادي العالمي الذي استحثّته إغلاقات كورونا في الصين والتوتّرات الجيوسياسية الروسية الأوكرانية، من المحتمل لمعدّلات التضخّم أن تبدأ انخفاضها في عدّة دول عظمى. ورغم أن معدلّات التضخّم ستبقى مرتفعة على الأرجح فوق أهداف البنوك المركزية، لكنها قد تتراجع عن مستوياتها المرتفعة الحالية.
بالتالي، وبتحييد ظهور مؤثّرات جديدة أساسية مفاجئة بأسعار الذهب، لا يجب استبعاد مزيد من الانخفاض بسعر المعدن الثمين لمستويات 1820 وربما ما دون ذلك. لكن، هنالك شرط فنّي مطلوب لبقاء هذه النظرة السلبية على أسعار الذهب، وهي أن تبقى أسعار الذهب ما دون المقاومة 1920 دولار بإغلاق أسبوعي، وهذه المقاومة عبارة عن تصحيح 38.2% فيبوناتشي التابع للموجة الصاعدة التي بدأت من القاع 1678 شهر أغسطس 2021 وصولاً للقمّة عند 2070 شهر مارس 2022.