اجتازت الليرة التركية خلال 9 أيام من هذا الشهر مستويات 15.00 التي لطالما تم اعتبارها مستويات مقاومة يتم الدفاع عنها من طرف المركزي التركي.
جاء هذا الإغلاق فوق مستويات 15 على نحو غير متوقع حيث أشرنا في تحليل الأسبوع الماضي أنه بالرغم من هذا التجاوز إلا أن احتمال الرجوع أدنى مستويات 15 كبيرة وهذا ما لم يحصل استنادا إلى تحرك المركزي التركي من مستويات 14.5 إلى 15 في سبيل تقليص التراجع المستمر والبطئ لليرة التركية.
يبدو أنه كان من الضروري السماح بتمديد الاتجاه الصعودي للدولار مقابل الليرة التركية فوق مستويات 15 في ظل السياسة التشددية للفيدرالي الأمريكي الذي لا يترك مجالًا لعملات الأسواق الناشئة لالتقاط أنفاسها في خضم التوترات الجيوسياسية التي عمقت أزمة الدول في التعامل مع التضخم الذي تحفز لبلوغ مستويات قياسية في كل من أمريكا وأوروبا وباقي الدول.
إلا أن هذه الدول بالرغم من تأخرها في ممارسة تشديد للسيطرة على التضخم، ارتأت أنه من المناسب الاستعجال برفع أسعار الفائدة بكل من أمريكا وبريطانيا، في حين أن البنك المركزي الأوروبي لم يحرك ساكنًا أمام التضخم المرتفع، لكن تصريحات المسئولين الأوروبيين تشير على قرب رفع مستويات الفائدة خلال شهر يونيو المقبل لوضع حاجز أولي أمام ارتفاع الأسعار واثقال كاهل المستهلك.
تركيا لامست سياسة مغايرة تمام، فبعد التحسن الذي شهده الاقتصاد التركي بعد أزمة كورونا التي استلزمت دعم جيوب المؤسسات والأفراد لتقليل الأضرار وتخفيف العبء حتى تمر الجائحة. ضغط الرئيس التركي في سبتمبر المنصرم على البنك المركزي التركي لتخفيض أسعار الفائدة مما أدى إلى تدهور أسعار الليرة التركية لتصبح بذلك أسوأ عملات الأسواق الناشئة من حيث الأداء، وهذا الاستمرار في السياسة الاقتصادية الجديدة دفع بالأسعار لبلوغ 18 ليرة مقابل كل دولار خلال شهر ديسمبر المنصرم ليحاول صناع القرار إنقاذ ما يمكن إنقاذه من هذا التدهور بسياسة من شأنها دعم الليرة إلى جانب من القرارات التي تحفز المستثمرين والمواطنين للإبقاء على الليرة التركية وعدم الاحتماء بالدولار ووقف عمليات بيع الليرة التركية.
حقيقة أن استمرار السياسة التشددية للفيدرالي الأمريكي من شأنها تقوية الدولار أمام الليرة التركية، فبعد الدفع بأسعار الفائدة الأمريكية بمقدار 0.50 نقطة مئوية للارتفاع، لا يزال التضخم مرتفعا بالرغم البطء النسبي الذي شهده مؤخرا والذي لا يزال يندر بأسلوب تشديدي في ممارسة السياسة النقدية للفيدرالي والاستمرار في رفع أسعار الفائدة بمقدار نصف نقطة خلال الاجتماعين المقبلين للفيدرالي الأمريكي وهذا من المرتقب أن يتم معاودة تأكيده خلال كلمة محافظ الفيدرالي جيروم باول المرتقبة ليوم غد. كذلك نترقب صدور مجموعة من البيانات ( مبيعات التجزئة، تصاريح البناء، معدلات الشكاوى من البطالة... ) التي من شأنها أن تؤثر في تداولات الدولار وإعطاء نظرة مسبقة عن حال الاقتصاد الأمريكي، حتى لو شهدنا تحسن في هذه البيانات وبدأ التضخم يستجيب مع الإجراءات التشددية، فمن الصعب للغاية تحقيق الانخفاض المتوقع في ظرفية التوترات الجيوسياسية على الحدود الشرقية الأوروبية خصوصا مع الأحداث المتوالية من قبيل دفع طلب العضوية من طرف فنلندا والسويد للالتحاق بالناتو أمر لن يقف الروس أمامه مكتوفي الأيدي وسيواجهنه بقوة وقد تمتد الأمور لبلوغ مستويات عنيفة من شأنها تأزم أوضاع الاقتصاد وبالتالي استمرار الزيادات في أسعار السلع الأساسية وبالتالي استمرار الأضرار لمدة طويلة.
أما فيما يخض دولة الأناضول، حقيقة أن سوء البيانات الاقتصادية وارتفاع العجز في الميزان الجاري ليبلغ 5.55 مليار دولار كان وقودا لدفع التداولات لبلوغ مستويات 15.64 في هذه اللحظات، وهذا مستوى محفوف بالمخاطر للغاية بالنسبة لليرة التركية حيث نترقب مستويات مقاومة عند مستويات 15.66،16..00، وكذلك 16.47 في ظل المخاطر الإضافية التي تواجهها الليرة التركية من الفناء الخلفي والإبقاء على مستويات الفائدة في مستويات سلبية وتوقعات بعدم تغيرها خلال الاجتماعات المقبلة للمركزي التركي.