تحليل السياسة النقدية الأمريكية وتحركات الفيدرالي تختلف عن تحليل السياسة النقدية لكل الدول والبنوك المركزية حول العالم، لأن الدولة الأمريكية لا تعتبر الدولار مجرد عملة وطنية، ولذلك فهي لا تعامله على هذا الأساس.
قال رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول بأخر تصريح له: "التزام الفيدرالي بكبح جماح التضخم غير مشروط".
تصريح باول له تفسير واحد فقط، أن الفيدرالي الأمريكي ملتزم بالحفاظ على قوة الدولار ومحاربة التضخم والدفاع عن مكانة الدولار وسمعته كعملة عالمية صعبة وملاذ آمن بغض النظر عن أي آثار جانبية قد تصيب الاقتصاد الأمريكي، وهنا يجب أن نسأل:
كيف يفكر صناع القرار في البيت الأبيض؟!
ولماذا لا يعيرون أي أهمية للمؤشرات الاقتصادية المختلفة ومنها نسبة البطالة عندما يتعلق الأمر بسمعة الدولار الأمريكي؟
ببساطة وكما بدأت في المقدمة، الدولار بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية أكثر من مجرد عملة وطنية، إنه عملة عالمية وسلاح اقتصادي تحكم به أمريكا العالم.
هذا السلاح الأمريكي (الدولار) يستمد قوته من حاجة الاقتصاد العالمي إليه، والحاجة للدولار تكمن بخصائصه التي يمتاز بها دون غيره من العملات، وأهمها الاستقرار والقبول بمعظم التعاملات المالية، بالإضافة لكونه لا يتبع حكومة مركزية وقوته مستمدة من قوة أقوى اقتصاد بالعالم (الاقتصاد الأمريكي)، ولذلك فإن صناع القرار في واشنطن يعتبرون بأن الأولوية عند تحديد السياسة النقدية هي المحافظة على سمعة الدولار واستقراره وقوته وثقة العالم الاقتصادي به كملاذ آمن، كما أنهم يعرفون جيداً أن البطالة في حال ارتفعت هذه السنة يمكن خفضها السنة القادمة، لكن في حال خسر الدولار الأمريكي ثقة الدول والشعوب فلا يمكن إعادة هذه الثقة مهما فعل الفيدرالي، ومن هنا خرج القرار الأمريكي الواضح "التزام الفيدرالي بكبح جماح التضخم غير مشروط".
هنا قد يسأل سائل: البنوك المركزية حول العالم تسير على خطى الفيدرالي برفع سعر الفائدة، ألا يعني هذا أن العملات التابعة لهذه البنوك ستصعد معه ولن يحدث فرق كبير بالسعر؟
بالطبع لا، لأن مستويات التضخم التي يعاني منها العالم الآن تحتاج تشديد كبير جداً بالسياسة النقدية، وحالياً معظم دول العالم تعاني من أزمة اقتصادية وتراجع في مستوى النمو، وبالتالي لن تستطيع تحمل مثل هذا التشديد، لذلك من المتوقع أن عدد قليل من العملات سيحافظ على قوته أمام الدولار الأمريكي، خاصةً وأن الاقتصاد الأمريكي أقوى اقتصاد في العالم والدولار الأمريكي هو أكثر عملة مستخدمة ومطلوبة في العالم، وهذا يمنح الفيدرالي الأمريكي هامش كبير جداً للمناورة ما بين ضخ السيولة وتشديد السياسة النقدية بحسب الحاجة لذلك.
ختاماً، بالنظر لأهمية سمعة الدولار الأمريكي بالنسبة لصناع القرار في البيت الأبيض، وبالنظر لقوة الاقتصاد الأمريكي وقدرته الخاصة على التحمل، وبناءً على مستويات التضخم التي يعاني منها العالم اليوم التي تتزامن مع عدة أزمات اقتصادية اخرى، فإن البنك الفيدرالي سيتمكن من تشديد السياسة النقدية ودعم الدولار الأمريكي أكثر من معظم البنوك المركزية، وهذا سيمنح الدولار أفضلية كبيرة وسيدفعه للصعود أمام جميع العملات في الأسابيع القادمة وصعوده أمام العملات الضعيفة سيكون صعود ساحق تماماً.