لقد حدث ما كان متوقعاً من قبل البنك الاحتياطي الفيدرالي، ألا وهو رفع معدل الفائدة على الدولار الأمريكي بمقدار 0.75%، ليصل معدل الفائدة الإجمالي إلى مستوى 2.50%. وكما ذكرنا في التقرير السابق أن هذا المستوى قد يسبب بعض التباطؤ في نمو أنشطة الاقتصاد الأمريكي خلال الفترة المقبلة.
حركة الأسواق كانت عكسية على غير المتوقع وقد يكون أحد الأسباب هو تسعير الأسواق لهذا الحدث من قبل صدور قرار الفيدرالي بالأمس وهو أمر معروف لدينا كخبراء ومحللين ولديكم أيضاً كمتداولين ومستثمرين ويحدث أحياناً. إلى جانب الحركة العكسية، فمن وجهة نظري أن حركة الأسواق بعد قرار الفيدرالي كانت متوازنة بشكل عام إلى حد كبير وتميل نحو التحوط ومتانة الاقتصاد الأمريكي في آن واحد في مواجهة إجراءات أو سياسة البنك الفيدرالي لتشدديه تجاه معالجة قضية التضخم.
فقد شهدنا ارتفاعا / الذهب كملاذ آمن للمستثمرين تحوطان من الركود الاقتصادي الذي قد يحدث في المستقبل نتيجة الرفع السريع والعنيف لمعدل الفائدة، وهو ما سوف يتبين لنا بشكل كبير بعد صدور بيانات الناتج الإجمالي المحلي GDP اليوم الخميس.
في المقابل شهدنا ارتفاعا في أسواق الأسهم الأمريكية Wall Street ومؤشراتها الرئيسية إلى مستويات لم تشهدها منذ ستة أسابيع، وأيضاً انخفض العائد على / سندات الخزانة لأجل عامي US 2- YR وارتفع العائد على سندات الخزانة لأجل 10 سنوات US 10- YR، إلا أن العائد لسندات الخزانة لأجل عامين لا يزال مرتفعاً عن العائد لسندات الخزانة المستحقة لأجل 10 سنوات.
ربما أن خطاب جيروم باول المتوازن أيضاً كان أحد العوامل التي أدت إلى اتزان حركة الأسواق كما ذكرنا في الفقرة السابقة، حيث أشار باول إلى أن الطلب لا يزال قوياً وأن سوق العمل مستقراً ويشهد نمواً.
وقد استند في ذلك إلى بيانات طلبات السلع المعمرة التي صدرت يوم أمس الأربعاء والتي كانت جميعها أفضل من التوقعات، بالإضافة إلى بيانات سوق العمل السابقة التي جاءت في تقرير NFP لشهر يونيو الماضي، حيث أضاف التقرير عدد 372 ألف وظيفة وهو رقم أفضل من المتوقع.
من جهة أخرى قال باول إن الركود الاقتصادي لا يزال أمراً محتملاً ولكن المهمة الرئيسية للبنك الاحتياطي الفيدرالي الآن هي السيطرة على معدل التضخم المرتفع وإعادته إلى المستوى المستهدف عند 2 %، ومن المحتمل أن نلجأ إلى رفع آخر لمعدل الفائدة وبمعدل أعلى ولأكثر من مرة إذا اقتضى الأمر من أجل تحقيق ذلك.
ولكننا الآن بحاجة للنظر إلى أسعار النفط العالمية والمحلية في الولايات المتحدة، حيث إن أسعار / النفط الخام Crude Oil أو أسعار الطاقة بشكل عام أمر مهم وحاسم في معالجة قضية التضخم ليس فقط في الولايات المتحدة ولكن في جميع أنحاء العالم.
تتداول أسعار خام برنت Crude Brent حالياً مع كتابة هذا التحليل عند مستوى 107.9 دولار للبرميل وهو سعر مرتفع قد يزيد من معدلات التضخم حول العالم. أما خام غرب تكساس Crude WTI فيتداول عند مستوى 98.77 دولار للبرميل. الغاز الطبيعي أيضاً لا يزال يتداول عند مستويات عليا 8.56 دولار للمليون وحدة حرارية.
إنني لم أتطرق أيضاً للظروف المحتمل حدوثها في المستقبل أو خلال أواخر هذا العام مع دخول فصل الشتاء والذي من المتوقع أن يرفع أسعار الطاقة العالمية وأيضاً انتشار متحورات جديدة لفيروس كورونا (كوفيد - 19)، وليس خفياً علينا ارتفاع معدلات الإصابة بالفيروس في العديد من الدول ومنها الصين التي كانت منشأ لجائحة كورونا مع تحذير منظمة الصحة العالمية WHO الجميع بالرجوع إلى ارتداء الكمامات مرة أخرى بعد ارتفاع معدلات الإصابة وظهور متحورات جديدة.
ليس ذلك فقط بل لا بد لي أن أذكر أيضاً ملف الحرب الروسية الأوكرانية، والتي تزداد اشتعالاً يوماً بعد يوم مع توسيع روسيا لأهدافها العسكرية، وأيضاً محاولة روسيا التأثير على دول الأتحاد الأوروبي عن طريق استخدام إمداداتها من الغاز الطبيعي للقارة العجوز في التأثير على دعمها لأوكرانيا في الحرب الدائرة.
الأمر الذي يبدو أن روسيا نجحت فيه إلى حد ما بعد استقالة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون ورئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراجي خلال شهر يوليو الحالي.