لا بد وأن بيانات التوظيف لاقتصاد الأمريكي التي صدرت الجمعة المنصرم كانت لها إيقاع إيجابي على تحركات الدولار وامتيازات على باقي العملات الأخرى التي تتداول ضد الدولار حتى وإن كانت هذه البيانات تعكس جانبا مخالفا تماما لما سبق وأشرنا إليه.
انخفض معدل البطالة في السوق الأمريكي بنحو 0.1 في المئة ليتستقر عند 3.5 بعد أن شهد استقرارا في 3.6 لما يقارب 4 أشهر على التوالي، وشهد قطاع التوظيف في القطاع الخاص ارتفاعا ب 528 ألف وظيفة أن كان مقررا أن ينخفض ب 250 ألفا بعدما بلغ خلال القراءة السابقة 398 ألفا.
هذه البيانات أعطت دفعة إضافية للدولار بعد أن شهد السوق تباطأ بعد تخفيف حدة رفع أسعار الفائدة. الجانب الآخر من الصورة هو أن التضخم لم يبد أي إشارة على التراجع فحسب، بل يجب على معدلات البطالة أن تبلغ في السوق الأمريكي مستويات الأربعة في المائة على الأقل حتى يستطيع التضخم الهبوط نحو مستويات 2% والذي يعتبر مستوى معقول بالنسبة للاقتصادات الكبيرة.
وهذا من شأنه أن يوسع مساحة الفيدرالي في قدرته على رفع أسعار الفائدة بمقدار أكبر حتى يستطيع كبح جماح ارتفاع الأسعار في الداخل الأمريكي.
وتداول / مؤشر الدولار خلال الأسبوع الماضي في مستويات الدعم 105.000، قبل أن يرتد من هذه المنطقة ويرتفع ليقوم بالإغلاق خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي فوق مستويات 106.500. ويجدر الإشارة إلى أنه من المحتمل اتجاه المؤشر للارتفاع أكثر نحو مستويات 107 و108 خصوصا إن انخفضت معدلات الشكاوى من البطالة المرتقب صدورها خلال الخميس المقبل عما هو متوقع، أي بيانات إيجابية إضافية للدولار.
من جهة ثانية شهدت أسواق النفط تراجعا وإغلاقا أدنى مستويات 90 خلال عطلة نهاية الأسبوع نتيجة مجموعة من العوامل التي اتحدت وخلفت لنا أسعار مستقرة.
فالمخاوف المنتشرة في السوق من الركود وتراجع الطلب على النفط، إلى جانب التراجع في مؤشرات التصنيع بالصين والنتائج المترتبة عن ارتفاع حالات كورونا في الصين وآسيا بصفة عامة دفع سوق النفط إلى الخنوع لمستويات 90 التي لطالما حاول الابتعاد عنها منذ مارس الماضي.
لا يخفى كذلك أن استقرار التداولات للنفط أدنى 90 لهذا الأسبوع يرجح كفة استمرار الترند الهبوطي نحو مستويات 85 وسط مخاوف الركود الفعلي في الولايات المتحدة الأمريكية وتراجع العجلة الاقتصادية الأوروبية بسبب تكييف روسيا لصادراتها من النفط والغاز وفقا لهوى ورغبة فلاديمير بوتين، وذلك لرد الصاع صاعين على القارة العجوز على العقوبات الاقتصادية على روسيا جراء شن حملة عسكرية على أوكرانيا.
ولا يصح إنهاء مقالتنا لهذا اليوم دون معالجة الوضع التركي، ففي سوق الصرف عرفت / الليرة التركية تراجعا مهولا دام أشهرا لمعاودة اختبار قاع ديسمبر الماضي في 18.000 ليرة لكل دولار. إن كان هنالك درس واحد يجب أن نستخلصه من هذا التراجع فهو أن تلك الارتفاعات في قيمة الليرة التركية نتيجة التدخل في سوق الصرف وإصدار حزم لدفع الليرة نحو الارتفاع ما هي إلا حلول ترقيعية لا تدوم طويلا ولا تمنع الجرح من النزيف مجددا.
الارتفاع المستمر في التضخم والتراجع الحاصل في المؤشر التصنيعي والخدمي والذي ينتج عنه تراجع في النمو، في المقابل الجهود المبذولة لجلب استثمارات ودفع الإنتاج من أجل مضاعفة الصادرات، لم ينتج عنها سوى تراجع في معدلات البطالة وسط ارتفاع تكلفة الحياة بين الأتراك. وإلى حدود الساعة فإن الجميع مدرك أن جميع التصريحات الصادرة عن المسؤولين الأتراك بتراجع مستويات التضخم خلال صيف 2022 وتحسن الأوضاع ما هي إلا أوهام بعيدة التحقق على أرض الواقع.
أما فيما يخص الجانب التقني، فتجاوز سوق الدولار مقابل الليرة التركية لمستويات 18 من شأنه أن يدفع عجلة الصعود نحو المستويات التي أشارتا إليها منذ أسبوعين والمتمثلة في 18.50 و 18.90 وبذلك يكون المركزي التركي حقق مستويات رديئة في سوق الصرف نتيجة سياسة أبانت عن فشلها منذ البداية، ناهيك عن فقدانه لمصدقياته نتيجة السماح للتوجهات السياسية في توجيه السياسة النقدية للبلاد وفقدان تلك القوة الاستثنائية التي يستوجب على البنوك المركزية الاتصاف بها.