"العقيدة أساس قيام المجتمع ودعامة قوية تردع كل تاجر بحال كان هناك تراخي في القانون" ابن خلدون
يقول مصطفى محمود في كتابه حوار ملحد، لا وجود لرادع قوي يمنع تاجر ذو مال وذو سلطة سوى الشريعة التي يؤمن بها وهذا لأن الإنسان بفطرته لا رادع له سوى المعتقد.
في بادئ ذي البدء
نظراً للاستفسارات الكثيرة التي طلبت الحديث عن الباب الشرعي في أسواق مال بطريقة تراعى فيها أحكام البيوع وبطريقة لها أساس اقتصادي، نضع بين يديكم ما وجدناه في الاقتصادي الشرعي، بعيداً عن التحيز وبعيداً عن الإدلاء بأي رأي، وإنما مجرد سرد لمختلف الآراء ( التي لها الغلبة) وما عليك سوى الاختيار عزيزي القارئ، علماً أن هذه القرارات غير قابلة للنقاش مطلقاً ونحن نخلي مسؤولية المنصة عنها ونخلي ومسؤوليتنا الشخصية ولا غرض لنا من المقال سوى إظهار الأفكار بعيداً عن إثارة أي جدل.
فقه المعاملات المالية
الأحكام الشرعية العملية التي تنظم أفعال المكلف وعلاقة الشخص بالغير، فيشمل علاقة المسلم بمن وافقه أو خالفه في الدين، والأحكام المدنية، والشخصية، والمعاملات المالية، والعقود.
وهو مبني على:
1. مبني على مراعاة العلل والمصالح وهو عكس فقه العبادات تماماً على سبيل المثال فرض على المؤمن الصلاة بعدد ركعات معين بغض النظر عن السبب حول العدد لا بد من الصلاة بهذا العدد بينما المعاملات لا بد من الاستقصاء حول علة الرفض.
2. يجمع ما بين الثبات والمرونة، على سبيل المثال بعض الأحكام في الفقه المالي تتغير بتغير الظروف مقارنة بالأحكام التي تتعلق بالعبادة لا تتغير مهما تغيرت الظروف
3. الأصل في أي المعاملات من عقود وشروط الإباحة ( الحُل)، فلا يمنع منها شيء إلا إذا منع بصريح العبارة
المسؤول قانوناً عن التشريع
الجهات القضائية الشرعية التي تعنى بهذه الأمور:
1. المؤسسات الإسلامية المعروفة مثل دار الإفتاء بمصر، هيئة كبار العلماء في السعودية
2. المؤسسات العلمية التي تعنى بالبحث مثل جامعة الأزهر التي تقوم بأبحاث بمصر
3. الندوات والمؤتمرات التي تجتمع من حين لآخر بوجود أهل العلم الذي يختصون بالعلم الذي يحتاج إلى فتوة شرعية، مثل مجمع الفقه الإسلامي والذي يجتمع كل سنة لمناقشة الأمور المعاصرة.
أحكام البيوع في الإسلام
هي الأحكام التي يقاس على أساسها وهي:
1. التراضي بين الطرفين
2. أهلية المتعاقدين (الرشود، البلوغ)
3. أن يكون المباع مالاً: بمعنى أن يكون ما تم بيعه ذو أصل أي له قيمه، أو بمعنى آخر أن ما لا نفع فيه فليس بمال فلا يقابل له وهو شرط النفع والانتفاع عند الشافعية
4. كونه مملوكاً أو مأذوناً في بيعه: بمعنى لا يجوز لأحد أن يبيع شيء لا يملكه ولا أذن له في بيعه (هذا باستثناء السلم)
5. كونه مقدورا ً على تسليمه ( هذا باستثناء السلم)
6. ان يكون المبيع معلوماً برؤية أو صفة
7. أن يكون الثمن معلوماً
شرط تحريم الربا
الربا في الشرع هو الزيادة في أشياء مخصوصة، والزيادة على الدين مقابل الأجل وهو نوعين ربا الفضل وربا النسيئة.
يقول الحديث كل قرض جر نفعاً فهو ربا، وهذا حديث ضعيف إلا أنه يثبت عند أهل العلم وهذا الذي جعل فئة كبيرة من أهل العلم تحرم الكثير من الأدوات المالية.
على ما سبق نقيس إذاً
• الأسهم: أجمع العلماء على أن الأسهم حلال ولا التباس فيها وهذا لكون حامل الأسهم ما هو إلا مشارك بتمويل رأس مال الشركة وهو مشارك بالربح والخسارة وهذا على تعريف الدكتور محمد حلمي عبد التواب في كتابه الأطر الشرعية والتحليل هنا صالح بتوافر الشرطين التاليين: الأول حُلية الشركة التي أصدرت الأسهم ( أي لا تتعامل الشركة التي أصدرت الأسهم بالربا)، الثاني أن يكون الشراء حدث فعلاً أي أن يمتلك من اشترى الأسهم دليل قاطع على أحقيته في السهم وهذا يلقى على عاتق الوسيط التداولي وهنا ننوه أنه بحال أردت التعامل مع الأسهم لا تتعامل مع وسطاء DD ( Dealing Desk ) لان هذه الأنواع من الوسطاء لا تزودك سوى بسعر السهم، وتحوي رافعة مالية وهذا يخالف التعريف الذي أتاح تداول الأسهم لذلك أبحث عن وسيط يتيح لح شراء الأسهم وبيعها حقاً وغالباً ما يميز هذه الأنواع من الوسطاء أن لا رافعة مالية فيها لأن تعمل في الأٍساس على تمويل الشركة التي باعت أسهمها ومن أمثلة هذه الوسطاء Vanguard
• السندات: نظراً لأن حامل السند غير مسؤول عن أي خسارة، فاستناداً إلى أساس تحريم الربا، تُحرم السندات وهذا بحسب القرار رقم 60 الصادر من مجمع الفقه الإسلامي
• الصكوك: نظراً لكونها أداة دين تُحمل المقرض والمقترض شروطاً وفقاً للربح والخسارة فهي حلال بشرط توافر الشروط التي ذكرها مجمع الفقه الإسلامي في القرارات رقم 30، 178، 188.
• المؤشرات: بحسب القرار رقم 63 الصادر من مجمع الفقه الإسلامي، فإن التعامل مع المؤشرات محرم وهذا لكون المؤشر في أساسه رقم ولا وجود لشيء فعلياً تمتلكه أثناء شرائك المؤشر وهو ما خالف أحكام البيوع في الإسلام.
• الخيارات الثنائية:( CFD, binary option )بحسب القرار رقم 63، الصادر من مجمع الفقه الإسلامي فهي محرمة شرعاً وهذا لكون من اشترى لم يمتلك شيء فعلاً وإنما قام بالمراهنة.
• العقود الآجلة: هي محرمة شرعاً وفق قرار رقم 147 وذلك لأنها لم تستوجب شروط السلم ( البيع الآجل في الإسلام).
• العملات الرقمية: حقيقة حتى الدورة الرابعة والعشرين سنة 2019 لم يتوصل مجمع الفقه الإسلامي لقرار حاسم حتى هذه اللحظة لأنه اختلف أهل العلم الشرعي في معاملة العملات الرقمية، كعملة أم كسلعة، وعلى هذا يعلق فئة من العارفين في الشرع والاقتصاد ( الاقتصاد الشرعي) أن العملات الرقمية ذو الأساس اللامركزي والتي لها ذات الوظيفة للنقود أنها حلال شرعاً وهذا لإنها استوفت شروط النقود وهي الشيوع والقبول،مقارنة بالعملات التي لا أساس اقتصادي لها والتي لا تمثل حتى أسهم لشركة معينة مثل العملات التي تسمى بين أهل مجال العملات الميم فهي محرمة برأي نسبة كبيرة من الشيوخ لما فيها من الغرر والضرر.
• الفوركس(Forex):
أن تشتري دولار مقابل يورو لصالح الارتفاع أو الانخفاض ( على أرض الواقع )، لا جدال فيه بأنه حلال شرط التقابض الوقتي، ولكن نظراً لاختلاف الكيفية التي تطور بها العالم ووجود الأنترنت، فإن شرط التقابض الحكمي ألغى شرط التقابض الوقتي.
لذلك يمكن القول باعتبار أن كل عملة هي نقد بحد ذاته، فإنه لا وجود لخلاف بالمتاجرة وحتى إن كانت هذه المتاجرة عبر الأنترنت، ولكن تكمن المشكلة هنا بالكيفية التي تمت بها المتاجرة وعليه لا بد من مراعاة أهم العوامل:
1. أن يكون الوسيط من نوع ( Non Dealing Desk) NDD، وهذا الوسيط يتيح لك المتاجرة الحقيقة بالعملات وباختلافها ( أي عندما تشتري EURUSD) فإنه يصبح في رصيدك EUR وأنت قادر على سحب EUR بحال اشتريت EUR، أي باختصار عليك أن تتداول ما يسمى Spot Forex، وهذا لا يوجد بالوسطاء التي تسمى DD أو Market Maker
2. لا وجود لفوائد التبييت (Swap)
3. ألا يكون التداول في FOREX على أساس CFDs لأنك بهذه الحالة أنت لا تمتلك سوى المراهنة وهذا يخالف أحكام البيوع.
بحال استوفت هذه الشروط السابقة، حينها لا جدل في تداول الفوركس، وهذه الشروط متوافرة بنسبة كبيرة من وسطاء التداول.
• الذهب: إن شراء الذهب وبيعه بالمقابل النقدي لا خلاف فيه، ولكن يكمن الخلاف فعلياً بالكيفية، وعلى نفس الطريقة التي قيس بها الفوركس بقاس بها الذهب وعليه نقول أنه بحال تمت مراعاة العوامل التالية فلا خلاف بتداول الذهب والله أعلم:
1. أن يكون التعامل من خلال وسطاء NDD، لأنها تضمن لك تنفيذ عملية الشراء بشكل حقيقي وليس المراهنة
2. أن يكون التعامل بالبيع والشراء على أساس سعر الأونصة، وليس على أساس أحجام العقود، وهذا متوافر بحال توافر الشرط الأول.
• الرافعة المالية(Leverage)
تعرف الرافعة المالية على أنها عربون يدفع مقدماً، لتثبيت على الأصل وذلك لإجراء صفقات على ذلك الأصل.
مثال: يوجد عقار سعره 1000$ ولا تملك سوى 100$ فتقوم بتثبيت العقار ( أي الحجز على هذا العقار) لتصبح ملكية وأحقية هذا العقار لك، فبحال أرتفع العقار إلى 1050$ فإن مربحك هو 50$ وبحال انخفض العقار إلى 950$، فإن الخسارة ستغطى من العربون الذي تم تقديمه لتثبيت الملكية، إلا أن يخرج العقار من ملكيتك بحال نفذ العربون.
لا خلاف ببيع العربون، وأجاز الفقه الإسلامي بيع العربون، إذا قيدت فترة الانتظار بزمن محدد ( نسبة كبيرة من البنوك الإسلامية تراعي هذا الشرط)، علماً أن هذا القرار صدر في الدورة الثامنة ضمن قرار رقم 76
إلا أن الخلاف الفعلي بالرافعة المالية يكون من حيث تطبيق هذه الآلية ضمن وسطاء التداول، فمنهم من يأخذ على هذه الخدمة فوائد وخصوصاً في الأسهم وهذا الربا بعينه وهو محرم شرعاً، أما الرافعات التي تقوم على مجرد التثبيت لا الإقراض والنفع فلا خلاف فيها، وهذه الأنواع توجد في البنوك التي تتيح التداول، والوسطاء من نوع NDD، والتي لا تتيح أكثر من 1 على 20 كأقصى حد 1 على 50، ( أي بحاجة منت ثلث إلى نصف رأس المال المطلوب لحجز الصفقة المطلوبة) وننوه أن هناك الكثير من أهل العلم الذي رفض الرافعة المالية وخصوصاً الكبيرة منها لما فيها من غرر وضرر.
خلاصة القول ورأي المحلل الفني
في الختام عزيزي القارئ إن وجود الآراء المختلفة لا يعود لاختلاف المصادر الدينية، فالمصدر واحد، فلا وجود لمذهب أحل الربا، بمقارنة بمذهب قد منعه ولكن لاختلاف تطبيق هذه الأحكام (أي اختلفت الصور والأشكال للبيع ) جعل من الآراء تختلف، وأضف على ذلك القصور في التعاريف الاقتصادية واختلافها الشاسع بين وسيط وآخر، لذلك نحن هنا لا ندلي برأينا الخاص وإنما ننصحك بأن تتسلح بالمعرفة الكفيلة بأن تتيح لك أن تختار اختياراً جيداً.
المحلل: عمر الصياح
Twitter: @SyyahOmar