الحروب ليست مجرد معارك عسكرية، فهي تؤثر بشكل كبير على النسيج الاقتصادي للدول المعنية وحتى الدول المجاورة. الحالة الراهنة في فلسطين مثال واضح على كيف يمكن للحروب أن تضر الاقتصاد على مستويات متعددة.
منذ السابع من أكتوبر، أعلنت إسرائيل الحرب على غزة، وهو الأمر الذي بدأ يظهر تأثيره على الاقتصاد الإسرائيلي بشكل سلبي ومتزايد. حيث يعتبر الإنفاق الاستهلاكي محوراً هاماً في النشاط الاقتصادي، ويشكل أكثر من نصفه، لذا سيكون التأثير كبيرًا ولا يمكن تجاهله.
قبل اندلاع هذه الحرب كان الاقتصاد الإسرائيلي في حالة مستقرة وقوية. وكان من المتوقع أن ينمو بنسبة 3% هذا العام، وكانت نسبة البطالة منخفضة. لكن الحرب غيرت هذا السيناريو بشكل كبير.
وأحد أهم القطاعات التي تأثرت بشكل كبير هو الصناعة التكنولوجية، التي تشكل 18% من الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل ونصف جميع الصادرات. وفقًا للتقديرات، تم استدعاء ما بين 10% إلى 15% من القوى العاملة في هذا القطاع للخدمة الاحتياطية مما تسبب هذا النقص في القوى العاملة بتقليل الإنتاجية واحرج الشركات التي تواجه صعوبة في تحقيق أهدافها وتلبية حجم الطلب.
وتسبب أيضاً بأعباء على العاملين المتبقين، الأمر الذي أدى إلى زيادة في التوتر والإجهاد وقد تضطر الشركات لتوظيف موظفين/عمال مؤقتين أو دفع رواتب إضافية للموظفين المتبقين، مما يزيد الأعباء المالية عليها مع الأخذ بعين الاعتبار أن الأفراد الذين تم استدعاؤهم يمكن أن يكونوا من بين الأكثر خبرة وتأهيلًا، مما يؤثر سلبًا على الشركات بشكل عام وعلى الانتاج.
بالإضافة إلى ذلك، يعاني العديد من شركات التكنولوجيا من نفاد المال لذلك وللمساعدة في مواجهة هذه التحديات، أنشأت سلطة الابتكار الإسرائيلية صندوقًا بقيمة 100 مليون شيكل (ما يعادل 25 مليون دولار) لدعم ما يقرب من 100 شركة ناشئة في مجال التكنولوجيا.
ونظرًا لأن هذا القطاع يشكل نصف الصادرات الإسرائيلية، فإن أي تأخير أو تراجع في الإنتاج سيؤثر بشكل سلبي وحاد على الاقتصاد ككل.
كما أن الحرب قلبت التوقعات بشأن اتجاه أسعار الفائدة في إسرائيل. وأطلق بنك إسرائيل حزمة تدابير تضمنت دعم العملة المحلية بمبلغ يصل إلى 30 مليار دولار. هذا التدخل جاء كرد فعل لمواجهة ضغوط التضخم التي بدأت تتصاعد بشكل ملحوظ، حيث وصلت نسبة نمو الأسعار إلى 3.8% في شهر سبتمبر، متجاوزة بذلك الهدف السنوي للبنك المركزي الذي يتراوح بين 1% و3%. ومحاولة يائسة لدعم الشيكل, حيث انخفض الشيكل الإسرائيلي إلى 4 لكل دولار أمريكي، وهو أضعف مستوى منذ عام 2015 وخسر ما يقرب من 3.9٪ منذ 7 أكتوبر عندما هاجمت حماس إسرائيل.
وأخيراً, متى ستنتهي هذه الحرب؟ وإلى أي حد سيدعم الغرب اسرائيل؟ وإلى متى سيصمت المواطن الغربي على دعم اسرائيل من ضرائبه بالوقت الذي تعاني فيه هذه الدول من أنظمة صحية سيئة وتضخم مرتفع وبطالة مرتفعة وغلاء معيشة؟