مر على الأسواق العالمية خلال الفترة القصيرة الماضية ومنذ بداية العام العديد من الاحداث والأمور التي أثرت في صلب تحركات الأسواق العالمية والأدوات المالية ولعل نظرتي وتفسيراتي لمسار عام 2024 التي نشرتها ليلة رأس السنة كانت تتطرق وبشكل واضح الى ان عام 2024 لن يكون عام سهل او طبيعي على اقل تقدير بل سيكون فيه العديد من القضايا والأمور المدورة والمستمرة من عام 2023 وقد يستجد أمور أخرى من احداث جيوسياسية وعوامل اقتصادية لذلك دعونا نلقي نظرة سريعة على ما حصل خلال أسبوعين فقط من هذا العام وامتداد للحرب القائمة منذ أكتوبر الماضي في غزة العزة فكما قلت لكم في وقتها ان هذه الحرب سيكون لها تداعيات وتوسعه لما يجري لينعكس على المنطقة برمتها فما جرى في البحر الأحمر من هجمات جعلت فنسنت كليرك الرئيس التنفيذي لشركة ميرسك للشحن العملاقة يحذر أن إعادة فتح طريق البحر الأحمر الحيوي للتجارة قد يستغرق أشهر مما يهدد بضربة اقتصادية وتضخمية للاقتصاد العالمي والشركات والمستهلكين لتستمر بعدها الأمور بالتصاعد وتستمر الهجمات لتقوم إيران باحتجاز ناقلة نفط خام أمريكية بأمر قانوني في خليج عمان لتقوم الولايات المتحدة وحلفائها بتشكيل حلف وضرب اهداف في اليمن ليتواصل التصعيد وتتعرض فجر يوم امس القنصلية الأمريكية في أربيل الى هجمات صاروخية وتوقف حركة الملاحة الجوية في مطار أربيل ليتبنى الحرس الثوري الإيراني الهجوم وتستمر التوقفات في البحر الأحمر لتعلن اليوم قطر عن ايقافها لإرسال شحنات الغاز الطبيعي المسال عبر البحر الأحمر مؤقتا بسبب مخاوف أمنية في أعقاب الأعمال العسكرية الأمريكية والبريطانية ضد الحوثيين وكما نعلم انه من الممكن أن يؤثر تعليق شحنات الغاز الطبيعي المسال وإعادة توجيهها عبر رأس الرجاء الصالح على إمدادات الطاقة في أوروبا، على الرغم من أن مخزونات الغاز المرتفعة الحالية تخفف من المخاوف المباشرة ويستمر هذا الملف بالتصعيد وارى ان متابعة كل ما يحصل فيه مهم جدا هذا العام لإنه الامر قد يضاف اليه المزيد من التعقيد اكثر فاكثر في قابل الأيام وكما معروف ان ذلك يشمل كافة مصادر الطاقة من نفط وغاز وبضائع ومواد أولية وكل ما يتعلق بالشحن العالمي والأمور اللوجستية المرتبطة به
بالانتقال الى الولايات المتحدة والعودة قليلا للحديث عن البيانات الاقتصادية فقد ارتفعت أسعار المستهلكين بنسبة 0.3% في ديسمبر وهي نسبة أعلى من المتوقع، مما دفع المعدل السنوي إلى 3.4% الامر الذي يظهر أن التضخم لا يزال يسيطر على الاقتصاد الأمريكي في الوقت الذي يرى فيه معظم صناع السياسات تراجع الضغوط التضخمية وفيه هذا الصدد جاءت العديد من التصريحات لصناع القرار في الاحتياطي الفيدرالي وكانت أبرزها تصريحات كريستوفر والر عضو بنك الاحتياطي الفيدرالي حيث قال ان وجهة نظري تتفق مع توقعات صناع السياسة في بنك الاحتياطي الفيدرالي بانه سيكون من اثنين الى ثلاثة تخفيضات في أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في عام 2024 ويجب أن يتم تخفيض أسعار الفائدة بشكل منهجي وبعناية، ولا يوجد سبب لخفض أسعار الفائدة بالسرعة التي كان عليها في الماضي وقالت رئيسة بنك الاحتياطي الفيدرالي في كليفلاند لوريتا ميستر ان شهر مارس ما زال مبكرا جدا بالنسبة لي لخفض أسعار الفائدة أعتقد أننا بحاجة لرؤية المزيد من الأدلة ونحن بحاجة إلى معايرة السياسة حتى نتمكن من تحقيق هبوط سلس واننا لم نصل بعد إلى خفض أسعار الفائدة و أريد المزيد من الأدلة على أن الاقتصاد يتقدم كما هو متوقع ولن نصل إلى هدف 2% هذا العام وان مؤشر أسعار المستهلك لشهر ديسمبر يظهر أن المهمة لم تكتمل بعد فكما نرى وكما قلت لكم في البث الأخير لبرنامج المتداولون العرب ان التخفيض هذا العام سيكون من 2 الى 3 مرات وقد تبدأ من مايو ولعل ما يدور في خاطر صناع السياسة النقدية في الاحتياطي الفيدرالي هو الإمساك عن بعض المعلومات والايضاحات لتجنب حدوث توتر في الأسواق ولعل تخوفهم ليس صحيحا فالأسواق تتوقع فعليا الخطوات التالية للاحتياطي الفيدرالي – وهناك امر هام أيضا ذكرته في تحليلي الأخير لعام 2023 وقد يغفله العديد من الأصدقاء والمتداولين والمستثمرين الأعزاء وهو اننا هذا العام امام استحقاق انتخابي وسباق لرئاسة البيت الأبيض ودونالد ترامب ينفض الغبار منه وينهض من جديد وقد يقول قائل هل ما زال له امل في المنافسة خصوصا بعد سيل الاتهامات الذي وجه له ولأنصاره منذ احداث اقتحام الكابيتول هيل التي مر عليها اكثر من 3 سنوات والى يومنا هذا وهنا اجيبكم نعم دونالد ترامب يخوض وبجدية كبيرة وبتنافسية عالية سباق الترشح داخل أروقة الحزب الجمهوري ولعل ما يثبت صدق ما أتكلم به هو الفوز الساحق يوم امس في الانتخابات التمهيدية في ولاية أيوا مما منح الرئيس السابق فوزه الأول في مسابقة ترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة لعام 2024 وعزز مكانته باعتباره المرشح الأوفر حظا في السباق للحزب الجمهوري لينسحب بعدها آسا هاتشينسون حاكم أركنساس السابق من الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري ليؤدي ذلك إلى تضييق المجال الجمهوري في الانتخابات التمهيدية ليقتصر فقط على الرئيس السابق دونالد ترامب ، الذي فاز في ولاية أيوا بأغلبية ساحقة، وحاكم فلوريدا رون ديسانتيس، ونيكي هيلي، سفيرة الأمم المتحدة السابقة وحاكمة ولاية كارولينا الجنوبية السابقة خلاصه القول سيكون العام مشدود جدا لغاية نوفمبر القادم وهو موعد الانتخابات وستتأثر الأسواق العالمية عامة والأسهم الامريكية خاصة بالشد والجذب الذي سيكون وابشركم انه سيكون بوتيرة كبيرة وبمستويات ترقى الى حصول صدامات بين كل من الجمهورين والديمقراطيين والجمهورين فيما بينهم
وبالانتقال الى منطقة اليورو فقد اعلن مكتب الإحصاء الفيدرالي الألماني ان الاقتصاد الالماني انكمش بنسبة 0.3٪ على أساس سنوي في عام 2023 حيث أدى ارتفاع التضخم وأسعار الفائدة الثابتة إلى التأثير على النمو والجدير بالذكر ان المانيا تعد أكبر اقتصاد في أوروبا وواجه الاقتصاد الألماني مخاض أزمة عميقة في الميزانية نهاية العام الماضي بعد أن هدد حكم المحكمة الدستورية بشأن قيود الاقتراض الوطني بفجوة قدرها 17 مليار يورو في خطط إنفاق البلاد لعام 2024 ولا زالت التصريحات كثيرة ومتقلبه بين صقور وحمائم المركزي الأوروبي وسأتناول ابرزها في السطور التالية حيث قالت إيزابيل شنابل عضو المجلس التنفيذي للبنك المركزي الأوروبي بانه لا تزال التوقعات الاقتصادية على المدى القريب ضعيفة بما يتماشى مع توقعاتنا و هناك أدلة على أن مؤشرات المعنويات وصلت إلى أدنى مستوياتها وقال لويس دي جويندوس عضو البنك المركزي الأوروبي انه من المحتمل حدوث ركود فني في النصف الثاني من عام 2024 والآفاق الاقتصادية تميل إلى الجانب السلبي وستبقى قرارات البنك المركزي الأوروبي المستقبلية معتمدة على البيانات الاقتصادية وأضاف انه من المرجح أن تتباطأ وتيرة تراجع التضخم السريعة التي لاحظناها في عام 2023 في عام 2024 وقال فرانسوا فيليروي عضو البنك المركزي الأوروبي بدون أي مفاجآت، سيكون عام 2024 هو العام الذي نقوم فيه بأول تخفيض لأسعار الفائدة وصرح بوريس فويسيتش عضو البنك المركزي الأوروبي ايضا إذا انخفض التضخم بشكل أسرع من المتوقع فيمكننا التحرك مبكرا بشأن أسعار الفائدة ومن الناحية المثالية ستأتي تخفيضات أسعار الفائدة بأحجام 25 نقطة أساس لكن بمجرد بدء التخفيضات، لا نستبعد التحركات بمقدار نصف نقطة وقال يواكيم ناجل عضو البنك المركزي الأوروبي انه من السابق لأوانه الحديث عن تخفيضات أسعار الفائدة والأسواق في بعض الأحيان مفرطة في التفاؤل ونحن نعتمد على البيانات والتضخم مرتفع وربما يمكن الانتظار حتى العطلة الصيفية قبل التفكير في خفض أسعار الفائدة - خلاصة ما يمكنني ان أقوله لكم وكما قلت في بثي الأخير في برنامج المتداولون العرب بان البنك المركزي الأوروبي سيتحرك بشكل واضح لخفض الفائدة وهذا ما يثبته تصريحات اغلب الأعضاء فيه ولعل المركزي الأوروبي سيكون في طليعة البنوك المركزية الكبرى التي ستبدأ حملة تخفيض معدل الفائدة هذا العام
وبالانتقال الى جنوب شرق اسيا حيث انني أرى انها قد تكون المنطقة الأكبر اشتعالا إذا ما استمرت الأمور نحو التصعيد وان الكثير فعليا لا ينتبهون الى الخطر المحدق الذي قد ينفجر فجأة في بحر الصين الجنوبي وسأستعرض لكم سريعا ابرز اللمحات الي جرت خلال اول أسبوعين فقط من هذا العام حيث قامت وزارة الدفاع التايوانية بأطلاق تحذيرات علنية وشديدة للصين من إطلاق قمر صناعي لأسباب تتعلق بالأمن القومي وتأتي هذه التحذيرات قبل وقت قصير من فوز لاي تشينغ-تي بانتخابات الرئاسة في تايوان والذي أكد على الالتزام بالحفاظ على السلام والاستقرار في مضيق تايوان وليقوم بعدها وفد امريكي غير رسمي بزيارة تايوان وصرح فيه مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق هادلي بقوله اهنئ تايوان على الانتخابات وان الولايات المتحدة تؤكد من جديد التزامها القوي تجاه تايوان وهذا الامر الذي اعترضت عليه الصين بشدة واعتبرت بان تايوان هي جزء لا يتجزأ من الصين ونبقى في جنوب شرق اسيا حيث قامت كوريا الشمالية بإعلان نجاح إطلاق صاروخ تفوق سرعته سرعة الصوت يعمل بالوقود الصلب ويأتي ذلك في ظل استمرار بيونج يانج في تطوير الصواريخ وسط تعاون مكثف مع روسيا ويقول الخبراء العسكريين إن الصواريخ الباليستية العابرة للقارات الكورية الشمالية قادرة على الأرجح على ضرب مواقع أمريكية في آسيا، بما في ذلك المنشآت العسكرية في جزيرة غوام في غرب المحيط الهادئ – كل هذه الاحداث وغيرها مما ذكرت حصلت فقط في اول أسبوعين من عام 2024 الذي أؤكد لكم اننا سنشهد فيه الكثير من التقلبات والاحداث لذا يجب على الجميع ان يكون يقظ في قابل الأيام
وسلامتكم
المحلل المالي والتقني
عبد الرحمن الأصفر