بريق الذهب تحت رحمة الظروف

"حاجتنا للذهب تنتهي عندما يكون مجرد انعكاس لعدد ساعات العمل، وليس لتحقيق لغاية مالية"

أول من تكلم عن الذهب كحفظ للقيمة في العصر الحديث هو محافظ استثمارية استرالية أعلنت عام 1975 أرباح بالملايين تحت عنوان "الذهب ملاذك الآمن " ، وانتشر هذا العنوان أرجاء المعمورة وأصبح قاعدة للعوام ، ولكن إن أردنا حقيقة هذا العنوان فإن المحافظ الاستثمارية لم تحقق ربح ، فإن ما حدث هو صدمة نيكسون للعالم عام 1974 والتي فصلت الذهب عن الدولار فانخفضت القيمة الشرائية للدولار نحو 30% ، وارتفع سعر الذهب 30% ، وكان من حسن حظ هذه المحافظ أنها تملك الذهب ، ليجد كل من استثمر في هذه المحافظ أنه لم يحقق ربح ، حيث الأرباح في ظل ارتفاع الأسعار هي مجرد حفظ للقيمة لا أكثر ، أما أول من بدأ قصة أن الذهب هو مال الآلهة هم البابليون عام 2000 قبل الميلاد ، حيث كانوا على يقين أن ندرة الذهب هي من تعطيه قيمته ولكن مع ذلك كانوا يؤمنون أن الذهب هو مجرد مال حيث وجدت احفورة في بابل نقش عليها العبارة التي كتبت في بداية المقال.

مقتبس من كتاب أغنى رجل في بابل

آخر التطورات الفنية

في ظل تصاعد الصراع في الشرق الأوسط على مدينة الزيتون ، وفي ظل تصاعد المناوشات في الولايات المتحدة ما بين حكومة العم بايدن وولاية تكساس ، حافظ الذهب على استقراره أعلى 2000$ على الرغم من أن هذه الأخبار قد تدفع بسعر الذهب نحو تحقيق المزيد ، إلا أننا قد نرى أن البريق قد بدأ بالاضمحلال وهذا ما سنوضحه لك في مقال اليوم.

آخر الأخبار وأثرها على السعر

"البراعة هي أن تقوم بمرابطة الأحداث "

توم وليامز

إن الأخبار لهذا الأسبوع كثيرة وعديدة وهي تذكرني بصراحة بقاعدة وليامز حول مرابطتها ، ولكن أهم ما يمكن أن نركز عليه خلال هذا الأسبوع هو

أولاً: وتيرة الحرب في الشرق الأوسط

على الرغم من الصراع العنيف ما بين اليمن و سفن الاحتلال، إلا أني ما زلت أرى أن هذا الصراع محدود النتائج على النفط فقط ، وعلى الرغم من الخسائر الفادحة التي يتلقاها كلاً من الاقتصاد الأميركي ، الإسرائيلي إلا أنها محدودة النتائج وتجعل الحرب ضمن وتيرة صراع قومي لا حرب إقليمية ، وهذا لأننا نعرف بالتعاون مع أبسط نظريات التحليل العسكري إمكانية اليمن في قدرتها على تصعيد وتيرة الحرب ، وهذا يحافظ على بقاء الأسعار مرتفعة لكنه لا يشجع على الارتفاع ، ويمكن القول أنه قد نرى ارتفاع في أسعار الذهب كارتفاع تحوطي بحال رأينا تماس عسكري مباشر بين دول لها مكانتها الاقتصادية.

ثانياً: الخلاف الأهلي في الولايات المتحدة الأميركية

إن النزاع في الولايات الأميركية ما بين حكومة بايدن ، و ولاية تكساس حول الهجرة الغير شرعية ، مازالت أقل من أن تذكر من حيث النتائج والدليل على ذلك أن المؤشرات الأميركية مازالت إيجابية حتى هذه اللحظة ، وإن أردنا النظر إلى السيناريو

السيء فإن الأثر لا يكون واضحاً إلا بحال حدث تماس عسكري مباشر ، ووفقاً لسلوك الحكومة الأميركية فإن هذا وارد وهذا سيؤول إلى رفع الذهب 10% على الأقل وخفض المؤشرات الأميركية 5%.

أما فكرة استقلال الولاية فهي فكرة مستبعدة ، لأن الحكومة الأميركية أذكى من أن تعرض اقتصادها في أسوأ مرحلة لتراجع لا يقل عن 40% ، وأضف على ذلك أن الصراع أساساً قديم لكنه تم التركيز عليه إعلامياً ، حيث أن هذا الصراع كان قائماً ما بين تكساس و الحكومة الأميركية منذ عام 1985 ، وإلى هذه اللحظة أثره محدود إلا بحال حدث ما ذكرناه.

ثالثاً: الفائدة الأميركية والمؤتمر الصحفي

تنتظر أسواق الذهب، الفضة، النفط والأزواج خبر الفيدرالي في مساء يوم الأربعاء وخصوصاً أن لهذا الخبر أثر لا ينكر، ومع بقاء نسب التضخم في الماضي القريب كما هي قد يكون التوقع الأكثر منطقية هو أن يحافظ الفيدرالي على نسب الفائدة كما هي و هذا تماماً ما يجعلنا على يقين بأن الأسواق بحال تم تثبيت سعر الفائدة فلن تتأثر بشكل كبير وهذا بناء على قانون التوقعات العقلانية في الاقتصاد الكلي و التي تقول أن الاقتصاديين عقلانيين في توقعاتهم وبحال حدث ما هو متوقع فلن يكون أثره كبير على المدى البعيد و إنما أثره لحظي و سيزول.

وعلى هذا نقول بناء على أن النخبة من الاقتصاديين والأجندات الاقتصادية تتوقع أن الفيدرالي سيميل إلى تثبيت سعر الفائدة باعتبار أن نسب التضخم توقفت لكنها لم تنخفض، فإن أثر تثبيت سعر الفائدة محدود ، ولكن يبقى التخوف الأكبر من المؤتمر الصحفي الذي سيتم الإدلاء فيه عن خطة الفيدرالي خلال الأشهر القادمة فيما يتعلق بالفائدة وهنا نرشح أن الفيدرالي سيؤجل فكرة خفض الفائدة مما يعزز هبوط الذهب ، الفضة.

في الخلاصة إني أرى أن جميع الأخبار تميل إلى جعل الذهب ذو أثر محدود إلا بحال تفاقمت الأمور ، ولكن حتى هذه اللحظة لا أرى أي مبرر لكي تتفاقم الأمور وبحال تفاقمت فإن الصعود سيكون لصالح حفظ القيمة ، وليس لصالح تحقيق ربح وهذا تماماً ما يغير من سلوك الذهب ويجعل نطاق حركته ضيف ، وهذا ما بررته لك في مقال بعنوان فرصة قد تطيح بعرش الذهب.

التحليل الفني للسعر

" السوق بيئة احتمالية، وهذه حقيقة أخبرتنا بها الرياضيات وليس رأي "

مارك دوجلاس

بالنظر فنياً على الشارت نلاحظ:

1. ارتفاع عدد أوامر الشراء المعلقة عند 2000 من قبل صناع السوق وهذا ما يبرر ارتفاع الفوليوم عند هذه المنطقة.

2. ارتفاع الدخول المباشر عند الأسعار الحالية من قبل أوامر شراء صغيرة من قبل متداولين فرديين وهذا ا يجعل الدخول من هذه المنطقة غير آمن.

3. الموجة الرابعة من أمواج إليوت لم تنتهي ، علماً أن الموجة الرابعة من إليوت في السلع لا بد أن تمتد نحو قمة الموجة الأولى.

4. هناك دايفرجنس مع الفوليوم فلابد من تصحيح بسيط.

الخلاصة:

إن أفضل سعر للشراء هو عند مستوى ( 2000 – 1985 ) ، وهي منطقة صانع السوق ، أم السعر الحالي فلا يعد جيد للشراء مهما بدى الصعود حتمي ، وهذا لكونه غير آمن أي معرض لان يذهب بشمعة واحدة وهذا هو سلوك الذهب لذا من المتوقع أن يصحح الذهب حتى ( 1985 – 2000 ) قبل وأثناء صدور خبر الفائدة ثم صعود قوي نحو 2050 - 2070.

رأي المستشار

في الختام عزيزي القارئ لا شك بالمطلق أن الذهب هو أحد أهم الأدوات المالية ، ولكن إن التفرقة ما بين سلوكه بأنه سيتصرف كمال أم كسلعة تحوطية أم كسلعة استثمارية تساعدك في حل 50% من لغز الشراء ليتبقى أن تحدد أفضل سعر للشراء ولا تدخل دخول مباشر إلى السوق فهذه طريقة القطيع حيث أن صانع السوق يفكر كما يفكر التاجر فهو يقبل الشراء عند سعر معين و لا يقبل غيره فيحقق فطرة التاجر الحقيقي .

في النهاية تذكر أن الأسواق ليست عالية المخاطر وإنما الجهل الذي يعكس لك أن السوق أسرار وغامض هو أم المخاطر بعينها.

المستشار عمر جاسم آل صياح

تابع أهم المستجدات و التوصيات عبر الحساب الرسمي لنا على التويتر

X: @omarsyyah