لا يمكن أبداً أن تتوقع في السوق

"إن أفضل المتداولين هم المتداولين الذين تطورا إلى المرحلة التي آمنو بها أن أي شيء في السوق يمكن أن يحدث وهذا تماماَ ما جعلهم قادرين على التعامل مع السوق لأطول فترة ممكنة "

مارك دوجلاس في كتابه Trading in the zone

مارك في كتابه ينطلق من فكرة هدمت عشرات إن لم يكن مئات الكتب التي أبدعت في الحديث عن كيف تتوقع الخطوة القادمة في السوق ، ليخبرنا أن السوق بيئة احتمالية بحتة مشابهة تماماً لفكرة رمية نرد لا أكثر تستطيع من خلال هذه الرمية توقع النتائج وفقاً لاحتمال رياضي لكن هذا لا يعني أبداً حتمية الحدث وفي مقالنا هذا نوضح لك هذا المفهوم وكيف سيغير وجه نظرك عن السوق وكيف تحسن تداولاتك واستثمارك بناء هذا المفهوم.

ما هي البيئة الاحتمالية

هي بيئة تتسم بعدم اليقين وتعتمد على احتمالات معينة لظهور حدث معين ومن أهم خصائصها هو عدم اليقين ( أي عدم اليقين بالنتيجة )

مثال:

لنفرض أنه لديك مكعب يحوي ست أوجه خمسة منها ذات لون أخضر ، ووجهة واحدة منها ذات لون أحمر فإذا ألقينا المكعب فإن احتمال ظهور اللون الأخضر للأعلى هو 83% لكن هل هذا يعني أن اللون الأخضر سيظهر بشكل حتمي ؟ طبعاَ لا ، من الممكن أن نلقي المكعب عدة مرات ويظهر اللون الأحمر.

الاحتمالية لا تعني العشوائية

في مثالنا السابق حسبنا احتمالية ظهور اللون الأخضر لإننا نعرف معطيات الأحداث أي لدينا معلومات عن عدد أوجه المكعب، وألوان الأوجه وبالتالي استطعنا حصر الأحداث، لكن عندما لا نستطيع حصر الأحداث نقول أننا نتعامل مع بيئة عشوائية مثلاً تغيرت الألوان في المكعب ولا تعلم ما هي الألوان الجديدة لذا لا يمكنك حساب احتمال ظهور لون ما لأنك لا تعلم عدد الألوان وماهي وهنا تماماً يتجسد مفهوم العشوائية.

لماذا السوق بيئة احتمالية

لأن السعر الموجود في السوق ( بناء على الاقتصاد السلوكي ) هو منعكس لتصرفات المشاركين في السوق ونحن نعلم بشكل كبير جدا ً ما هي تصرفاتهم وما هو سلوكهم وإلا أي نتائج يؤدي.

لماذا؟

لأن جميع المشاركين بالسوق وباختلاف طبيعتهم يسعون لتحقيق الأرباح (على حد علمي لا يوجد شخص ما يشارك في السوق بهدف الخسارة) وبالتالي هدفهم واحد وباعتبار مشاعرهم معروفة (الخوف أو الطمع) وبالتالي سلوكهم واحد وباعتبار أن النتيجة النهائية في السوق معروفة (الصعود أو الهبوط ) حيث لا يوجد خيار ثالث إما يصعد أو يهبط السوق.

على هذا تحددت المعايير فأصبحت تعرف جميع المعطيات تقريباً ، ومنه السوق بيئة احتمالية لكن هذا لا يعني حتمية الحدث.

مثال:

لنفرض لدينا عشر أشخاص في السوق فقط (حتى نجعل المثال سهل)، وفي كل مرة يشعر هؤلاء العشرة بالخوف يتصرف 8 منهم على الأقل بذات الطريقة مما يعكس على السعر وحركته ذات الحركة ومنه ذات النمط السعري (قاع بنموذج راية مثلاً) ومنه نقول بحال كان الخوف سائد في السوق يتشكل هذا النمط الذي يعكس الخوف والذي يعطي هذه النتيجة باحتمال يصل إلى 80%.

لكن هل هذا يعني حتمية الحدث؟

بالطبع لا، فمازال لدينا احتمال قدره 20% أن يتشكل الحدث المقابل وألا يتصرف المتداولين بذات الطريقة، لربما يغير أحد صناع السوق استراتيجيته فجأة أو يؤثر الإعلام على المشاعر السائدة في السوق.

باختصار الأمر مشابه تماماً لرمية المكعب في مثالنا السابق، نحن نعلم أن اللون الأخضر أكثر من اللون الأحمر وهنا نعلم أن الخوف يعطي نتيجة ما بنسبة 80% لكن في كلا المثالين لا يمكن الجزم بالنتيجة وعليه نقول إن السوق بيئة احتمالية.

هل يوجد نمط ما في السوق يعطي احتمال قدره 100%

طبعاً لا وذلك لسببين:

1. يتفق جميع خبراء الرياضيات على فكرة قد تبدو غريبة للوهلة الأولى إلا أنها حقيقة أثبتتها الرياضيات ألا وهي أنه لا يمكن أبداً تكرار نتيجة حدث ما إلا بحالة واحدة وهي أن نخلق جميع الظروف التي أودت إلى الحدث وهذا مشابه تماماً للرجوع بالزمن لذا مستحيل، أي ببساطة إذا اردنا أن نقول أن رمية المكعب التي أعطت اللون الأخضر أن تتكرر، علي ببساطة أن أعيد خلق نفس الظروف من جميع الزوايا وذات الأمر لأي نمط يظهر في السوق.

2. من الممكن بديهياً أن يغير أحد صناع السوق و الذي له ثقله المالي سلوكه في أحد المواقف.

هذا لا يعني أن نترك السوق

التحليل الفني، الأساسي، الاحصائي والسلوكي يقربك من معرفة ما احتمال النتيجة النهائية (هذا إذا فرضنا طبعاً أنك تتعامل مع كل علم على أفضل مستوى أكاديمي)، أي يخبرك أن هناك احتمال قدره 80% أن السوق سيصد لكن هذا لا يعني أبداً حتمية الصعود، ومع ذلك لا يعني أن نترك المجال لكن يعني أن نعرف أن السوق احتمالي.

ما الغاية من أن نعرف أن السوق بيئة احتمالية؟

عندما تعرف أن السوق بيئة احتمالية تدرك تماماً أن ظهور نمط ما في السوق مثل الراية التي تشير إلى صعود لا يعني أن الصعود أمر حتمي أو عندما يخبرك التحليل الإحصائي أن الصعود بنسبة كبيرة تصل إلى 90% لا يعني حتمية الصعود ، وهذا ما يجعلك تتعامل مع السوق من منطلق عدم اليقين الذي يجبرك على أن تحترم إدارة المخاطر أكثر وليس التحليل.

عندما تركز على إدارة المخاطر فأنت تركز على أن تستمر في السوق لأطول فترة ممكنة مما يجعل من فكرة تحقق النمط على المدى البعيد واردة بشكل أكبر.

في مثالنا السابق الخاص بالمكعب عندما علمنا أن احتمال ظهور اللون الأخضر 83% حينها من البديهي أن نراهن على اللون الأخضر لكن يجب ألا تركز على اللون الأخضر في كل رمية على حدى وإنما تحاول أن تلقي المكعب لأكبر عدد ممكن من المرات مما يتيح للاحتمال الذي قدره 83% أن يتحقق على المدى البعيد وهذا يتجسد في السوق من خلال أن تقوم بتجربة أكبر عدد ممكن من الصفقات على المدى البعيد لا في ذات اللحظة.

أي في إدارة المخاطر الخاصة بك يجب أن تعمل على أن تكون نتيجة كل صفقة رابحة تتيح لك تجربة صفقتين خاسرتين على الأقل فتركز على حصيلة الصفقات على المدى البعيد.

الخلاصة ورأي المستشار المالي

السوق بيئة احتمالية وكل احتمال فيها وارد، وهذا لا يعني أبداً عشوائية المجال وعندما نعلم أن السوق بيئة احتمالية نعلم حينها أن الموضوع مشابه تماماً لرمية مكعب أو رمية نرد ، أنت تعلم احتمال ظهور حدث ما لكن لا يعني حتمية الحدث وحتى يتحقق هذا الحدث علينا التجربة لأكبر عدد ممكن من المرات لنجعل قابلية الاحتمال الحقيقة أن تظهر وهذا يتجسد في السوق بأن تجعل كل صفقة لك عبارة عن تجربة إن كانت رابحة تتيح لك تجربتين أخرى على الأقل ، وإن كانت خاسرة فهذا طبيعي لأن السوق بيئة احتمالية لا يمكن أبداً الجزم بتوقع فيها.

المستشار عمر جاسم آل صياح

الكثير ينتظرك في التويتر الخاص بي.. ، تابعني الآن

X: @omarsyyah