في قلب الصراعات الاقتصادية الدولية، يظهر النفط والذهب كأبطال يتقلبون بين السياسة، التضخم، والقرارات الحاسمة. هذه الأيام، يواصل الذهب رحلة صعوده المجنونة إلى القمة، حيث يُعَدُّ الملاذ الآمن في ظل ارتفاع معدلات التضخم في الولايات المتحدة. فعلى مدار الأسبوع الماضي، انتشرت الأنباء التي أظهرت ارتفاعًا في التضخم إلى أعلى مستوياته خلال 15 شهرًا. تأثير ذلك واضح: زيادة الطلب على الذهب كملاذ آمن وارتفاعه إلى مستويات تاريخية، حيث أعاد الذهب اختبار مستويات مقاومة سابقة عند مستويات 2915 دولارًا للأونصة.
لكن الذهب ليس وحده في هذا الصراع. إذا ألقينا نظرة على النفط، نجد أنه يمر بفترة من التقلبات المستمرة. فخام غرب تكساس، الذي يعد بمثابة بارومتر لأسواق النفط العالمية، شهد انخفاضًا لمدة 4 أسابيع متواصلة. لكن، وفي الأسبوع الماضي، بدأت الأسعار تصعد مرة أخرى، وبلغت مستويات تقترب من 71.50 دولارًا للبرميل. لماذا؟ السبب يعود إلى تأجيل فرض الرسوم الجمركية الانتقامية من الاتحاد الأوروبي ردًا على تدابير ترامب التي فرضت رسومًا على صادرات الولايات المتحدة. ولكن هذا ليس كل شيء!
الهجوم على كازاخستان: أزمة جديدة؟
هناك عنصر إضافي يلعب دورًا في حركة أسعار النفط، وهو الهجوم الذي تعرضت له محطة ضخ لخط أنابيب النفط في روسيا بواسطة طائرة مسيرة. الهجوم أسفر عن تعطل الإمدادات من كازاخستان، مما دفع أسعار خام برنت للارتفاع إلى 75.40 دولارًا للبرميل، بينما سجل خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي ارتفاعًا بنحو 1.05%. لكن المكاسب في الأسعار كانت محدودة، حيث يبقى القلق من زيادة المعروض النفطي في المستقبل القريب وهذا أيضًا مؤشر على رفع الأسعار!
السياسة الأمريكية: لعبة تجارية من نوع آخر
كل هذه التقلبات ليست مجرد ردود فعل طبيعية لأسواق النفط، بل هي جزء من استراتيجية اقتصادية أوسع تهدف إلى سيطرة أمريكا على الأسواق العالمية. سياسة ترامب الجديدة هي رهان على جعل الولايات المتحدة "مهيمنة على الطاقة" بشكل كامل. وبعد تخلي الإدارة السابقة عن مشاريع الطاقة النظيفة، وجهت انتقادات واسعة لهذه السياسات، معتبرةً أنها ساهمت في زيادة التضخم. ووسط هذه التحديات، تعهد ترامب بإحياء خط أنابيب الذي يربط بين بنسلفانيا ونيويورك، وهو ما قد يقلل أسعار الطاقة في الشمال الشرقي بنسبة قد تصل إلى 70%. لكن هناك إضافة أخرى في المعادلة: زيادة الإنتاج المحلي من النفط والغاز الأمريكي، الذي سيتزامن مع سياسة فرض الرسوم الجمركية على الدول ذات الفائض التجاري مع أمريكا. هذه الخطوة قد تكون خطوة استراتيجية للحصول على مكاسب تجارية ضخمة من بيع النفط والغاز الأمريكي لدولٍ عدة، مما سيساهم في تقليل فائض الإنتاج عالميًا.
هل هي سياسة مستدامة؟
إن السؤال الأهم هنا: هل هذه السياسات التي تتكرر كل عام فعلاً ستؤدي إلى الهيمنة الأمريكية على الاقتصاد العالمي؟ من فترة الكورونا حتى الآن، تمسك الولايات المتحدة بمقاليد القيادة الاقتصادية عبر أدوات متعددة مثل الرسوم الجمركية وزيادة الإنتاج المحلي، ولكن مع تصاعد التضخم، هل ستظل هذه السياسات فعّالة؟ وهل سيظل الدولار هو الرابح الأوحد في الحرب التجارية؟
في النهاية، إذا كانت هناك قاعدة واحدة في السياسة الاقتصادية الأمريكية الحالية، فهي أن المتغيرات تتسارع بشكل كبير وأن التوازنات العالمية دائمًا في حالة تقلب. الدولار، الذهب، والنفط ليسوا مجرد عناصر اقتصادية، بل هم أيضًا أدوات صراع في يد الولايات المتحدة. ومع ارتفاع التضخم، سيكون من المثير أن نراقب ما إذا كانت أمريكا ستظل قادرة على استخدام هذه الأدوات بحنكة، أم أنها ستواجه تحديات غير مسبوقة.
تستمر اللعبة، واللعب على المكشوف. هل ستظل أمريكا هي المسيطرة في هذا العالم المعقد؟ الزمن كفيل بالإجابة.
تنبيه مخاطر:
يرجى ملاحظة أن التحليل الوارد أعلاه يعرض سيناريوهات متعددة، وكل سيناريو يتطلب اتباع النقاط المذكورة بدقة، مع الالتزام بالشروط المرتبطة بكل حالة. إذا كنت تعتمد على كسر نقطة دعم أو مقاومة كنقطة دخول، فيجب تحديد نقطة الخروج عند كسر الاتجاه بما يتماشى مع السيناريو المحدد أو بناءً على إدارة رأس المال الخاصة بك.
نوصي بشدة بإدارة رأس المال بطريقة تناسب محفظتك، مع أخذ مخاطر السوق المحتملة بعين الاعتبار، خاصة في أوقات صدور الأخبار الاقتصادية المهمة. كما يجب التنويه إلى أن هذه النظرة الفنية ليست ضمانًا للنجاح، وقد تصيب أو تخطئ. لذلك، فإن قرار دخولك في أي صفقة بناءً على هذا المقال هو قرارك الشخصي بالكامل، ولا يتحمل كاتب المقال أي مسؤولية عن النتائج.