مع كل إرتفاع كبير جديد في أسعار الذهب، تتصاعد التحليلات والتفسيرات حول أسباب هذا الارتفاع. إن السؤال الجوهري ليس لماذا يرتفع الذهب؟ ولكن السؤال الجوهري الأن هو..
هل نحن أمام إعادة هيكلة للنظام المالي العالمي؟
في هذا المقال، سوف أحاول تحليل وقراءة المشهد الإقتصادي العالمي وذلك لكشف حقيقة ما يجري وراء الكواليس، وذلك بعيداً عن الضوضاء الإعلامية والتفسيرات السطحية والبعيدة عن الأسباب الجوهرية.
1️- أولًا:
لماذا تشتري البنوك المركزية الذهب بجنون؟
▪️ في عام 2022، بلغت مشتريات البنوك المركزية 1082 طن وهو أعلى مستوى منذ 1967.
▪️ في عام 2023، بلغت مشتريات البنوك المركزية أكثر من 1,000 طن.
▪️ في عام 2024، استمر هذا الإتجاه بقوة، مع دخول دول جديدة على خط الشراء مثل الصين و روسيا و تركيا و الهند ودول الخليج.
ولكن.. لماذا هذا التحول المفاجئ؟
◼️ فقدان الثقة في الدولار:
▪️ العقوبات المالية التي استخدمتها الولايات المتحدة الامريكية كسلاح ضد الدول دفعت الكثيرين للبحث عن بدائل أكثر أماناً.
◼️ الحرب التجارية والجيوسياسية:
▪️ تصاعد النزاعات الاقتصادية بين القوى الكبرى جعل الذهب ملاذاً استراتيجياً آمناً.
◼️ الهروب من التضخم العالمي:
▪️البنوك المركزية تدرك أن الاحتفاظ بالدولار لم يعد يضمن الاستقرار النقدي كما كان في السابق.
2- ثانياً:
خدعة العقود الآجلة. كيف وقعت البنوك في الفخ؟
▪️ العقود الآجلة: استخدمت البنوك الأمريكية الكبرى، مثل جولدن مان ساكس و جي بي مورجان (NYSE:JPM) و بنك اوف أمريكا، العقود الآجلة للتحكم في سعر الذهب من خلال صفقات البيع على المكشوف (Short Selling) بشكل كبير.
لكن ما حدث في 2024 قلب الطاولة عليها تماماً، حيث...
▪️ مع استمرار شراء البنوك المركزية للذهب، تكبدت هذه البنوك خسائر كبيرة بسبب عقود البيع على المكشوف غير المغطاة.
▪️ لتقليل خسائرها، اضطرت هذة البنوك إلى شراء الذهب الفعلي، مما أدى إلى زيادة الطلب ورفع الأسعار أكثر.
وبذلك تحول سلاحها إلى نقطة ضعف، وأصبحت مجبرة على دعم الإرتفاع بدلاً من مقاومته.
معلومة مؤكدة:
▪️ في عام 2020 تم تغريم بنك جي بي مورجان بـ 920 مليون دولار وذلك بعد إثبات تلاعبه بأسواق الذهب. لكن هذه الغرامات لا تمثل شيئاً مقارنة بالمليارات التي حققها عبر سنوات من التلاعب.
3- ثالثًا:
هل بدأ الدولار يفقد مكانته العالمية؟
إن الولايات المتحدة تواجه أزمات مالية متصاعدة، مثل...
◼️ الدين القومي تجاوز 34 تريليون دولار في حين أن الفيدرالي الأمريكي يكافح للسيطرة على التضخم.
◼️ الدول الكبرى بدأت في تقليل اعتمادها على الدولار، مثل...
▪️ الصين وروسيا: تنفيذ اتفاقيات تجارية بعملاتهما المحلية.
▪️ الدول العربية: تعزيز حيازتها من الذهب وتقليل الاحتياطيات بالدولار.
▪️ الهند والبرازيل: تطوير آليات تسوية جديدة لتجنب التعامل بالدولار.
النتيجة:
▪️ انخفاض الطلب على الدولار عالمياً مما يدفع المستثمرين للبحث عن أصول آمنه وعلى رأسها الذهب.
▪️ هذا التحول يعزز صعود الذهب بشكل طبيعي دون الحاجة إلى مضاربات أو تحليلات معقدة.
4️- رابعاً:
هل نرى الذهب عند مستوى 3,000 دولار قريباً؟
◼️ العديد من التقارير والبنوك تتوقع وصول الذهب إلى مستويات 2,900 - 3,000 دولار خلال 2025، (سعر الذهب الأن 2,935 دولار)
تعتمد هذة التقارير والتحليلات على العوامل التالية...
▪️ استمرار البنوك المركزية في الشراء بقوة.
▪️ زيادة الطلب الاستثماري من الصناديق الكبرى.
▪️ ضعف الدولار وارتفاع الديون الأمريكية.
▪️ تصاعد التوترات الجيوسياسية التي تدفع المستثمرين نحو الاحتفاظ بالأصول الآمنة.
الخلاصة:
▪️ الذهب لم يعد مجرد سلعة، بل هو العملة البديلة الآمنه القادمة.
▪️ ما يحدث الأن ليس مجرد ارتفاع في الأسعار بل إعادة توزيع للثروة المالية عالمياً.
▪️ البنوك المركزية والمؤسسات الكبرى وحتى الأفراد يدركون أن الذهب هو الأصل الحقيقي وسط فوضى الأسواق المالية وحالة عدم اليقين بسبب التوترات الجيوسياسية والاقتصادية.
السؤال لم يعد إلى أي سعر سوف يرتفع الذهب؟
بل إلى أي مدى سيفقد الدولار مكانته أمام الذهب؟