يصدر عن وزارة التخطيط التنموي والإحصاء بشكل دوري العديد من البيانات والتقارير الإحصائية التي تصف الأوضاع الاقتصادية والسكانية في قطر، وفي مقدمة هذه البيانات التقارير ربع السنوية لما يُعرف بالناتج المحلي الإجمالي.
ويتم نشر هذه التقارير على الموقع الإلكتروني للوزارة وفي كافة الصحف القطرية. وهذه البيانات مطلوبة للهيئات والمؤسسات الدولية وتستفيد منها الجهات الحكومية القطرية في التعرف على الواقع الاقتصادي، وفي رسم السياسات الخاصة بتلك الجهات.
وفي حين تلجأ المؤسسات والشركات والمتخصصون إلى الموقع الإلكتروني للوزارة للإطلاع على تفاصيل البيانات والتقارير، فإن عامة جمهور القراء في أغلبهم يتوقفون عند العناوين الرئيسية وبعض السطور المنشورة في الصحف فقط، إما لعدم حاجتهم لها أو لعدم إدراك الكثير منهم لمفاهيمها ولدلالاتها وتأثيراتها المحتملة.
ولقد كنت أود أن يتم عرض موجز لأهم محتويات تلك التقارير دون التفاصيل الكثيرة، وأن يسبق ذلك شرح مبسط للمعاني ولمكونات البيانات وأهميتها وأهداف نشرها.
والحقيقة أن الناتج المحلي الإجمالي هو إجمالي ما يتم إنتاجه من سلع أو خدمات من كافة الشركات والمؤسسات والهيئات الحكومية والخاصة في بلد ما، في فترة زمنية معينة قد تكون ثلاثة شهور أو سنة.
ويتابع المهتمون ما يطرأ على هذا الإجمالي من تطور بين فترة وأخرى، أو ما بين سنة وما سبقها، وفي ذلك دلالات هامة تساعد على فهم مستقبل التشغيل والطلب على الوظائف، وفي التعرف على مدى نمو أرباح الشركات المدرجة في البورصة ومن ثم اتجاهات أسعارها.
ومن هنا يكفي للقارئ العادي أن يتعرف على معدلات نمو الناتج ما بين فترة وأخرى لأن الأرقام التفصيلية قد لا تعني له شيئاً، وأن يتم بيان معدلات النمو في القطاعات النفطية والقطاعات الأخرى.
ولأن الناتج عبارة عن حاصل ضرب الكميات أو الوحدات المنتجة في أسعارها، فإن التغير في الأسعار فقط قد يعكس نمواً وهمياً ولا يصاحبه زيادة في الكميات المنتجة، وبالتالي لا يترتب عليه زيادة في عدد العاملين.
ولهذا يتم إصدار البيانات بطريقتين الأولى بالأسعار الجارية التي تمت في الواقع، وأخرى بأسعار سنة الأساس أي سنة سابقة لتحييد أثر التغيرات السعرية، والإبقاء على التغيرات الكمية فقط، ويكون الناتج في هذه الحالة بالأسعار الثابتة، والنمو حقيقياً وليس وهمياً.
وتزداد أهمية البيانات عن الناتج المحلي الإجمالي في صدورها في وقت مبكر؛ أي بدون تأخير عن نهاية الفترة المعنية، وقد أصدرت الصين على سبيل المثال بياناتها الأولية عن الربع الأول من العام 2016 في نفس الوقت الذي صدرت فيه بيانات قطر عن الربع الرابع من العام 2015.
ويكون الإعلان المبكر عن البيانات بعد أسبوع أو أسبوعين من انتهاء الفترة أولياً وموجزا، ويتبعه بعد شهر أو أكثر تقدير آخر أكثر دقه، ولكن الإسراع في نشر البيانات يكون مفيداً على نحو ما أشرت أعلاه، بينما التأخير يقلل من أمكانية الاستفادة منها.
وفي حين يزداد الإهتمام في الدول المتقدمة ببيانات النمو بالأسعار الثابتة لعلاقتها بالتوظيف فإن الأمر في قطر لا يبدو بنفس الدرجة من الأهمية حيث يشهد سوق العمل زيادات كبيرة في الطلب على الوظائف، يتم تغطيته من العمالة الوافدة. وفي المقابل فإن الأرقام بالأسعار الجارية هي الأكثر أهمية في قطر لأنها تعكس التغيرات الفعلية التي تطرأ على الحساب الجاري وعلى ميزان المدفوعات والميزانية العامة للدولة، باعتبار أن التغير في أسعار النفط بالزيادة أو بالنقصان له تأثيرات كبيرة على الواقع الاقتصادي ولا يمكن تجاهلها أو التقليل منها، وكلها لها دلالات هامة لرجال الأعمال والمستهلكين في قطر.
وقد تابع الناس في السنة الأخيرة ما طرأ من انخفاض كبير على أسعار النفط، وما تبع ذلك من ضغط للإنفاق الجاري، ومن تقليص للنفقات، فهل نتجاهل ذلك ونقول في العناوين إن الاقتصاد قد حقق نمواً حقيقياً بنسبة 4% في الربع الرابع، وأن قطاع انشطة البترول والغاز قد نما نموا حقيقياً بنسبة 0.7%، وفي داخل النص نقول إن الناتج المحلي الإجمالي قد انخفض بالأسعار الجارية في نفس الفترة بنسبة 19.5%، وأن ناتج قطاع النفط والغاز قد انخفض في نفس الفترة بالأسعار الجارية بنسبة 44.5%، دون أن نوضح ذلك للقارئ العادي؟