أصدر صندوق النقد الدولي تقريره نصف السنوي حول الاقتصاد العالمي في الأسبوع الماضي. وكما جرت العادة في السنوات الأخيرة، فقد تم تعديل توقعات النمو العالمي إلى أسفل.
ويتوقع صندوق النقد الدولي الآن بأن الاقتصاد العالمي سينمو بنسبة 3.2% في عام 2016، بانخفاض عن التوقعات التي كانت نسبتها 3.4% في يناير. واشار صندوق النقد الدولي إلى أن فقدان زخم النمو في الاقتصادات المتقدمة، والاعتقاد السائد بعجز السياسات النقدية، والاضطرابات في الاسواق المالية، وبعض القوى السياسية والطبيعية كانت من ضمن الأسباب التي أدت إلى تخفيض تقديرات النمو.
وإذا كان العالم سينمو فعلياً بنسبة 3.2% هذا العام، فلن يمثل ذلك إلا تحسناً طفيفاً على معدل النمو الضعيف 3,1% المسجل في العام الماضي.
ويمثل هذا التخفيض من قبل صندوق النقد الدولي لتقديرات نمو الاقتصاد العالمي في 2016، السنة الرابعة على التوالي التي يقوم فيها بتخفيض توقعاته.
فمنذ عام 2013، اصطدم التفاؤل المبكر لصندوق النقد الدولي بحقائق الواقع. وبين يناير وأبريل من كل عام، قام صندوق النقد الدولي بخفض توقعات النمو بنسبة 0.15% في المتوسط في كل عام.
وقد كانت الآمال ترتفع في بداية كل عام بمؤشرات لانتهاء الأزمات السابقة وتعزز فرص الانتعاش، ولكن سرعان ما كان يجيء مستوى النمو مخيباً لتلك الآمال في نهاية المطاف. فقد كان الانتعاش "بطيئاً جداً لفترة طويلة جداً"، كما جاء في عنوان تقرير صندوق النقد الدولي.
فما الذي دفع صندوق النقد الدولي إلى تخفيض توقعاته بنسبة 0.2% في الأشهر الثلاثة الأخيرة؟
هناك أربعة عوامل وراء هذا التخفيض الذي تم على نطاق واسع، حيث شمل اقتصادات متقدمة وناشئة.
أولاّ، يبدو أن زخم النمو في الاقتصادات المتقدمة قد تراجع. وينطبق ذلك تحديداً على الولايات المتحدة، حيث تراجع النمو في الربع الرابع من 2015 إلى 1.4% بعد أن كان قد بلغ 3.0% في المتوسط في الربعين اللذين سبقا ذلك. ويبدو أن النمو البطيء قد استمر في الربع الأول من العام الحالي، حيث تبلغ التوقعات المجمع عليها للنمو 1.2% بحسب بلومبرغ.
ثانياً، هناك اعتقاد بأنه لم تعد لدى صناع القرار حلول كثيرة لتحفيز الاقتصاد. وخير مثال لذلك منطقة اليورو واليابان، فقد أدى تخفيض السياسة النقدية بحدة في هاتين المنطقتين، بما في ذلك اعتماد أسعار فائدة سلبية، إلى رفع قيمة العملة بدلاً عن تخفيضها. ويشير هذا التطور غير المتوقع إلى أن الأسواق المالية ربما تكون قد فقدت الثقة في قدرة البنوك المركزية على تحفيز الاقتصاد في ظل صدمات معدلات النمو السلبية.
ثالثاً، تراجعت أسعار النفط بشكل حاد في مطلع العام مع تضاؤل الرغبة في تحمل المخاطر في الأسواق المالية. وعلى الرغم من أنه من المفترض لتراجع أسعار النفط أن يدعم المستوردين بقدر ما يضر بالمصدرين الدوليين، لكن يبدو أن هناك علة في هذه المقاربة. وقد يكون السبب في ذلك هو اختلاف مدة الاستجابة لهذه الصدمات. فبينما يؤدى تراجع دخل الدول المصدرة للنفط إلى تخفيض مباشر للإنفاق، يبدو أن عملية جني المكاسب تتحقق ببطء في الدول المستوردة للنفط.
رابعاً، هناك عدد من العوامل غير الاقتصادية التي كان لها تأثيرات سلبية على الاقتصاد العالمي. ومن بينها عوامل سياسية كحالة عدم اليقين بشأن نتيجة الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة واحتمال خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوربي. كما هناك مخاوف أمنية بشأن الهجمات الارهابية والحروب الأهلية الإقليمية. إضافة إلى ذلك، فإن الفيضانات القوية والجفاف الذي تسببت فيه ظاهرة النينو قد أثر سلباً على الاقتصاد في العديد من المناطق.
فهل التقديرات الجديدة لصندوق النقد الدولي بنسبة 3.2% للنمو العالمي واقعية؟
بشكل عام، يبدو ذلك واقعياً بالرغم من وجود أسباب للتشاؤم وأيضاً للتفاؤل. في الجانب السلبي، هناك مخاطر زيادة حالة الارتباك في الأسواق المالية بسبب الرفع المبكر لأسعار الفائدة في الولايات المتحدة، خصوصاً في ظل الاعتقاد السائد بعدم قدرة البنوك المركزية في بقية العالم على فعل الكثير.
كما هناك مخاطر باحتمال تسبب التحول الجاري في الصين من الاستثمار إلى الاستهلاك في بعض النكسات في الاقتصاد العالمي بالنظر إلى حجم الصين ودورها في النمو العالمي وتأثيرها على التجارة العالمية وأهميتها لأسواق السلع. علاوة على ذلك، فإن مخاطر هروب رؤوس الأموال تظل مرتفعة مع احتمال تشديد السياسة النقدية في الولايات المتحدة وارتفاع ديون الأسواق الناشئة بالعملة الأجنبية.
وفي الجانب الإيجابي، فإن توقعات صندوق النقد الدولي لأسعار النفط (34.8 دولار للبرميل في عام 2016) تبدو غارقاً في التشاؤم. ويبدو أن تقديرهم مبنيّ على أساس أسعار العقود الآجلة التي تتسم بالتقلبات وتتحرك حسب الأسعار اليومية.
وبالفعل، تحركت أسعار العقود الآجلة بقوة منذ كتابة صندوق النقد الدولي لتقريره، وتشير في الوقت الحاضر إلى متوسط سعر بواقع 42 دولار للبرميل في اليوم في عام 2016. وهذا قريب من توقعنا بمتوسط 40.8 دولار للبرميل الذي يجمع ما بين تحليلات العرض والطلب إلى جانب المعلومات التي يتضمنها إجماع التوقعات وأسعار العقود الآجلة.
عموماً، فإن الاقتصاد العالمي لا يزال معلقاً بسبب حالة عدم اليقين، كما يحتمل أن يستمر البطء في وتيرة تعافيه.