على الرغم من أنه ما زال يفصلنا أكثر من أسبوع عن إجتماع أوبك والمقرر عقده في فيينا يوم الخميس الموافق 2 حزيران/ يونيو، إلا أن المواقف السياسية الاستراتيجية من قبل المنتجين الرئيسيين للنفط قد بادت تشتعل بالفعل.
1. روسيا تعلن عدم الحضور: روسيا ليست أحدى الدول الاعضاء في منظمة أوبك، لكن وزير النفط الكسندر نوفاك يحاول التقليل من أهمية منظمة أوبك في سوق النفط من خلال التذكير بأن التعاون الروسي في أي إتفاق لتجميد الإنتاج أو خفضه هو أمر ضروري. كما انتقد نوفاك إدارة أوبك لأزمة الفائض عن طريق التساؤل حول زيادة الإنتاج في بعض الدول الأعضاء التي اعلن عنها مؤخراً. وقال نوفاك أن تقديرات دول أوبك لزيادة الإنتاج "مبالغ فيها قليلا".
وكانت اوبك قد أعلنت ان الدول الاعضاء فيها قد رفعت الإنتاج بمقدار 484 ألف برميل في نيسان/أبريل، فيما قال نوفاك أن الرقم كان أقرب إلى 100 ألف فقط. ومن غير المرجح أن يكون لدى روسيا بيانات أفضل عن انتاج أوبك من أوبك نفسها، ولكن رسالة نوفاك واضحة: روسيا لن ترضى بتجاهلها. من ناحية أخرى، انخفض إنتاج النفط الروسي من أعلى مستوى له في تاريخ السجلات، والذي كان قد سجله في آذار/مارس الماضي، وربما يكون ما قاله نوفاك هو محاولة للتغطية على الإنخفاضات المستقبلية في إنتاج النفط الروسي.
2. إيران لن تجمد الإنتاج: تكهنت العديد من وسائل الإعلام بأن تجميد الإنتاج الإيراني يلوح في الأفق منذ أن تم الإعلان عن وصول إنتاج النفط الإيراني إلى 4 ملايين برميل يوميا، وهو المستوى الذي أشار وزير النفط بيجان نامدار زانجانه بان بلاده ستنضم الى محادثات تجميد الإنتاج بين الدول الأعضاء وغير الأعضاء في أوبك حال وصوله. لكن، وكما تحدثت الوزير سابقا، فإن ايران ليس لديها حافز للموافقة على تجميد الإنتاج.
وكان نائب وزير النفط الايراني والعضو المنتدب لشركة النفط الوطنية الإيرانية ركن الدين جوادي أكد صراحة موقف ايران بقوله: "بناءاً على الخطط التي يتم تنفيذها حالياً، ليس لدى الحكومة أي نية في الوقت الراهن لتجميد أو قطع الإنتاج النفطي وصادراته". ولعل إيران لا تعتزم الدخول في محادثات تجميد الإنتاج أصلاً.
3. الأرقام الإيرانية لا تتطابق بالشكل الصحيح: وفقا لصحيفة فاينانشال تايمز، فإن معدل إنتاج إيران اليومي خلال شهر أبريل/نيسان الماضي هو 3.6 مليون برميل، وليس كما تدعي إيران أن الإنتاج هو 4 مليون برميل.
وكان نائب وزير النفط جوادي قد قال أن إنتاج ايران الحالي وكذلك الزيادة المقررة في الإنتاج (والتي ستكون بحدود 200 ألف برميل يومياً والمقررة خلال فصل الصيف) لا تشمل مكثفات الغاز، وهو نوع خفيف للغاية من النفط الذي هو أحد النواتج الجانبية لإنتاج الغاز الطبيعي. وكانت إيران قد إستمرت في إنتاج وتصدير مكثفات الغاز خلال فترة العقوبات، لانه من الناحية الفنية، فإن العقوبات لم تشمل هذا المنتج تحديداً.
ومن المهم أن تفصل إيران أرقام إنتاج مكثفات الغاز عن بقية أرقام إنتاج النفط في البلاد. والحقيقة أن إدراج مكثفات الغاز ضمن أرقام الإنتاج الإيراني يعمل على تضخيم حجم صناعة النفط الإيرانية وتضخيم تطورها في فترة ما بعد رفع العقوبات. وكانت إيران قد إستمرت في إنتاج وتصدير حوالي 300 ألف برميل يومياً من مكثفات الغاز خلال فترة العقوبات المذكورة، وهو ما يمكن أن يفسر التناقض بين الإنتاج المعلن رسمياً من مسؤولي الدولة وأرقام الإنتاج التي تذكرها مصادر أخرى. ومن الممكن أن يكون جوادي يتعمد ذكر هذه الأرقام غير الصحيحة لأسباب سياسية.
في الواقع، فلقد كان جوادي قد إستقال مؤخرا من منصب العضو المنتدب لشركة النفط الوطنية الإيرانية، وقيل حينها أن ذلك كان بسبب خلافات سياسة مع وزير النفط. ومن المتوقع أن يعترض جوادي على عقود النفط الدولية الجديدة (المسماة IPCs)، والتي يخطط الوزير زانجانه الإعلان عنها في تموز/يوليو.
وتقول بعض التقارير انه قد تم تعيينه بالفعل في منصب مدير المشاريع النفطية لما يسمى "اقتصاد المقاومة" لآية الله خامنئي. لذلك، يجب علينا أن نكون حذرين من أرقام الإنتاج القادمة من إيران، لأنها قد لا تكون دقيقة وقد تعطي صورة غير حقيقية عن مستوى الإنتاج في البلاد.
4. الإتجاهات السعرية قد لا تكون على طريق الإرتفاع المستقيم: إرتفاع أسعار النفط الخام الذي شهدته الأسواق الأسبوع الماضي كان إلى حد كبير بسبب إضطرابات الإنتاج في كل من ليبيا ونيجيريا وكندا وفنزويلا، وكذلك إلى أنه لم يتم اللجوء إلى مخزونات النفط للتخفيف من حدة تراجع الإنتاج العالمي بنحو 2.5 مليون برميل يومياً.
ولكن مرافق تخزين النفط لا تزال تعمل بكامل طاقتها، الأمر الذي يعني أن تعطل الامدادات لن يساعد فعلياً في حل مشكلة وفرة الإمدادات العالمية لمجرد توقف الإنتاج في هذا البلد أو ذاك لفترة قصيرة. وفي السوق العالمي حيث يتم إنتاج ما يقرب من 80 مليون برميل من النفط يوميا، فإن هذه الإضطرابات تعتبر صغيرة نسبياً.
وفي الواقع، يمكن وبسهولة زيادة الإنتاج في كل من المملكة العربية السعودية (والتي تتمع لوحدها بطاقة إنتاجية إحتياطية تقدر بـ 1-2 مليون برميل يوميا) وإيران، والولايات المتحدة، وهو ما يمكن أن يعوض بكل سلاسة أي إضطرابات في الإنتاج. وبعبارة أخرى، لا يجب أن نعول على أن الأسعار ستواصل الصعود بنفس القوة التي أظهرتها خلال شهر آيار/مايو الحالي.
هذه هي بعض القضايا المطروحة أمام دول أوبك وأمام المهتمين بإنتاج هذه الدول من محللين ومستثمرين وخلاف ذلك، في الوقت الذي تستعد فيه المنظمة لاجتماع حزيران/يونيو. ورغم أنه من المتوقع أن يتم حل بعض هذه القضايا في المستقبل القريب (مثل إضطرابات الإنتاج في ليبيا ونجيريا وكندا)، ومن المتوقع أن لا يتم حل بعضها الأخر في وقت قريب (مثل المشاكل الهيكلية في فنزويلا) إلا أنه في النهاية سيتم حل جميع هذه المسائل.
يجب أن لا يشكل موقف روسيا مفاجأة لمتابعي أسواق النفط لأن روسيا ليست عضوا في منظمة أوبك. ومع ذلك، وبعد أن فشل إجتماع الدوحة الذي ضم دولاً أعضاء في أوبك ودولاً من خارج أسوار المنظمة في شهر نيسان/أبريل الماضي، إتفق ممثلو هذه الدول على الإجتماع مرة أخرى خلال عام 2016.
وربما يكون وزير النفط الروسي الكسندر نوفاك يريد فقط التأكد من أن الجميع يعرف أن اجتماع حزيران/يونيو لمنظمة أوبك ليس هو ذلك الإجتماع الذي تم الإتفاق عليه، وبما أن روسيا لن تكون حاضرة، فإنه يجب عدم إعطاء هذا الاجتماع أهمية خاصة. ويجب أن لا ننسى إنه كان قد إنتقد إدارة أوبك في موضوع الأعلان عن زيادات الإنتاج في الدول الأعضاء في شهر نيسان الماضي.
من جهة أخرى، يبدو أن إيران تواجه المشاكل في جذب الاستثمار الأجنبي الذي تحتاجه لتطوير حقولها النفطية حتى تصل إلى القدرة الإنتاجية الكاملة، لكن جوادي يقول أنه سيعلن عن فرص الاستثمار الأجنبي الجديدة في تموز/يوليو، وحتى ذلك الحين، فإنه لا يمكننا التاكد من مستوى الإنتاج الإيراني على الأقل.
تابعوا معنا المزيد من التحليلات، حيث سيركز التقرير القادم على أهداف الأعضاء الرئيسين في أوبك عند دخولهم الاجتماع.
(تم نشر هذا المقال في الأصل باللغة الإنجليزية بتاريخ 25 آيار/مايو)