شهدت أسعار النفط انتعاشاً خلال الأسابيع الأخيرة حيث ارتفعت من 28 دولار أمريكي للبرميل في منتصف يناير إلى حوالي 40 دولار أمريكي في الوقت الحاضر.
وفي حين أن التوقعات بإمكانية تجميد الإنتاج من قبل بعض الدول المنتجة للنفط قد ساهمت في هذا الانتعاش، إلا أن هناك أيضاً مؤشرات على أن السوق يشهد عملية إعادة توازن.
فنمو الطلب يمضي بقوة، كما يقوم المنتجون للنفط الصخري عالي التكلفة في الولايات المتحدة بخفض إنتاجهم. ونتوقع استمرار عملية إعادة التوازن كما نقدّر أن تشهد أسعار النفط مزيداً من التعافي وأن تبلغ في المتوسط 41 دولار أمريكي في عام 2016، و 51 دولار أمريكي في عام 2017، و56 دولار أمريكي في عام 2018.
وفقاً لتقديرات الوكالة الدولية للطاقة، شهدت أسواق النفط فائضاً في المعروض بلغ نحو 1.8 مليون برميل في اليوم في عام 2015. ومن المحتمل لأربعة أسئلة أن تحدد الكيفية التي سيتم بها التخلص من هذا المعروض الزائد، وبالتالي تشكيل وضع أسواق النفط في المدى القصير.
أولاً، هل يستمر هذا النمو القوي في الطلب (الذي وصل 1.8 مليون برميل في اليوم في عام 2015، أعلى مستوياته في خمس سنوات)؟
ثانياً، كيف سيكون رد فعل المنتجين للنفط الصخري عالي التكلفة في الولايات المتحدة تجاه انخفاض الأسعار، والذي يجعل بعض مشاريعهم غير مجدية؟
ثالثاً، ما حجم الانتاج الذي سوف تضيفه إيران بعد رفع العقوبات؟
رابعاً، كيف سيكون رد فعل بقية دول أوبك على انخفاض الأسعار؟ وفيما يلي سندرس كيف يمكن للإجابات على هذه الأسئلة أن تتطور خلال 2016-2017.
نتوقع أن ينخفض فائض المخزون في عام 2016 من 1.8 مليون برميل في اليوم إلى 1.2 مليون برميل في اليوم، وسيحدث هذا الانخفاض جزئياً بفضل نمو الطلب، حيث نتوقع أن يشهد الطلب نمواً بواقع 1.2 مليون برميل في اليوم.
ومن المرجح أن تظل الأسواق الناشئة هي المصدر الرئيسي لنمو الطلب وذلك بالنظر لازدهار قطاع الاستهلاك، خاصة في الصين وبقية اقتصادات آسيا الناشئة.
وفي جانب العرض، نتوقع أن يتم خفض الإنتاج في الولايات المتحدة. وبالفعل، تظهر بيانات الإنتاج في الولايات المتحدة أن الإنتاج ظل ينخفض منذ أبريل 2015. لكن في مقابل ذلك، نتوقع أن تقوم إيران بزيادة الإنتاج بعد رفع العقوبات.
وقد قامت إيران فعلياً بزيادة إنتاجها بقوة بعد رفع العقوبات، حيث أضافت 370 ألف برميل في اليوم منذ شهر يناير وذلك بحسب البيانات الأولية الصادرة عن الوكالة الدولية للطاقة.
وأخيراً، نتوقع أن تزيد بقية دول الأوبك المعروض كما فعلت العام الماضي بالمحافظة على معدلات إنتاج النفط الخام عند المستويات المرتفعة الحالية. ومن المفترض أن يؤدي التخفيض الكلي لفائض معروض النفط إلى بلوغ متوسط أسعار النفط 41 دولار أمريكي للبرميل في 2016.
وفي 2017، يُفترض أن ينخفض فائض المعروض أكثر إلى 0.4 مليون برميل في اليوم مع استمرار عملية إعادة التوازن في الأسواق، كما يُتوقع أن يستمر نمو الطلب بواقع 1.2 مليون برميل في اليوم.
أما في جانب العرض، فمن المتوقع أن يعوض الإنتاج الإضافي من دول الأوبك، خاصة من إيران والعراق، جزئياً عن انخفاض الإنتاج في الولايات المتحدة. ومن شأن استمرار عملية إعادة التوازن أن يدفع الأسعار إلى متوسط 51 دولار للبرميل.
وفي المدى المتوسط، سيتم تحديد أسعار النفط حسب تكلفة المنتج الثانوي، أي شركات النفط الصخري الأمريكية في هذه الحالة. ويقدر المحللون في مجال النفط حالياً هذه التكلفة بواقع 60 دولار أمريكي للبرميل. بالتالي، نتوقع أن تقترب أسعار النفط لهذا المستوى بشكل تدريجي، مما سيقود الأسعار إلى متوسط 56 دولار للبرميل في عام 2018.
في الختام، فإن أسواق النفط لا تختلف عن الأسواق الأخرى. كلما كان المعروض يفوق الطلب في الأسواق، فإنها تميل إلى التكيف من خلال زيادة الطلب وخفض المعروض. وكما توضح البيانات الأخيرة، فإن عملية التكيف هذه جارية حالياً.
في المدى المتوسط، سيتم تحديد السعر حسب تكلفة شركات النفط الصخري الأمريكية. فإذا ارتفعت الأسعار أعلى من تكلفة شركات النفط الصخري، فبإمكان هذه الأخيرة أن تستجيب بسرعة وتزيد من إنتاجها، وبالتالي تتراجع أسعار النفط مرة أخرى. وهذا يعني أن أسعار النفط التي كانت تصل إلى 100 دولار للبرميل ربما قد أصبحت جزءاً من الماضي، لكن سعر 60 دولار للبرميل قد يكون أكثر واقعية في المدى المتوسط.