Investing.com - ما زال الاقتصاد الصيني يواصل تباطؤه بشكل واضح، حتى صار يؤثر سلبًا على نتائج أعمال شركة "آبل" الأمريكية، التي أعلنت الأسبوع الماضي خفض توقعاتها للمبيعات الفصلية، نتيجة تراجع مبيعات "آيفون" بالسوق الصيني، وذلك في الوقت الذي تشهد فيه العلاقات التجارية بين البلدين هدنة تجارية مدتها 90 يومًا فقط.
خلال الفترة الأخيرة، طرأت بعض التغييرات والتحولات على الاقتصاد الصيني، فقد اتجهت الصين التي كانت تميل دائمًا إلى الادخار، وكانت واحدة من كبار مشتري الأصول الأجنبية إلى الإنفاق ببذخ، ومن الواضح أنها ستمضي طويلًا في هذا الاتجاه، رغم تباطؤ النمو.
في مطلع عام 2018، حازت الصين مجددًا على لقب "ملكة الإنفاق الاستهلاكي"، وشكل الاستهلاك دفعة أقوى للنمو في الصين مقارنة بالولايات المتحدة، وفي حين أنفق الصينيون الكثير من الأموال في الداخل والخارج، فإن فائض التجارة الإجمالي للبلاد مقارنة ببقية دول العالم قد تراجع حجمه.
وكان لهذا التحول تأثير قوي على أسواق رأس المال العالمية، بداية من المتقاعدين الذين يستثمرون في سندات الخزانة الأمريكية وحتى مديري الأصول الذين يستثمرون في الأسواق الناشئة مثل الهند وإندونسيا، ومن الممكن أن يكون له دور فعال في تهدئة التوترات التجارية بين واشنطن وبكين.
حتى وقتنا الراهن، مازالت الصين تصدر كميات هائلة من السلع والمنتجات، ولكن مع زيادة ثروات الصينيين ارتفع حجم الاستهلاك، ففي عام 2015 وصل متوسط فائضها التجاري السلعي لكل فصل من فصول السنة إلى 150 مليار دولار، إلا أن هذا الرقم تراجع إلى 100 مليار دولار خلال الربع الثالث من العام الماضي.
في نفس الوقت، ارتفع صافي الإنفاق الصيني على الخدمات الأجنبية، من 50 مليار دولار إلى 80 مليار دولار خلال الفترة ذاتها، ويشمل ذلك بعض المسافرين الذين يحاولون إبقاء أموالهم في الخارج، للتهرب من القيود الصينية المفروضة على حركة رأس المال.
يشكل ارتفاع إنفاق السياح الصينيين مكاسب مفاجئة لتجار مستلزمات السفر ومشغلي شركات السياحة، إلا أن هذا الإنفاق يُشير إلى أن الصين سيبقى لديها أموال أقل لشراء الأصول الأخرى مثل سندات الخزانة الأمريكية.
بلغت حيازة الصين من سندات الخزانة الأمريكية حوالي 1.3 تريليون دولار خلال عام 2013، وتراجعت حاليًا إلى 1.1 تريليون دولار، ومن المتوقع أن يتسارع هذا الاتجاه خلال العام الجاري، إذا تسببت التوترات التجارية في الحد من الصادرات الصينية.
قد يرى البعض أن تراجع تدفقات رؤوس الأموال الصينية إلى سندات الخزانة الأمريكية أمر ذو تأثير حاليًا، خاصة مع تراجع العائدات وابتعاد المستثمرين من أسواق الأسهم التي شهدت تقلبات قوية خلال الفترة الماضية، إلا أنها ستؤثر بشكل قوي على أسعار سندات الخزانة على المدى البعيد.
ظل إجمالي الحيازات الأجنبية لسندات الخزانة الأمريكية ثابتًا منذ عام 2014، لكن إجمالي دين الخزانة ارتفع بنسبة قدرها 20%، ويكمن الخطر الحقيقي في تراجع الطلب على سندات الحكومة الأمريكية، لأن هذا يعني أن عليها دفع المزيد من العائدات حتى تقترض ما تحتاجه من أموال.
كما أن هذا سيؤدي أيضًا إلى دفع معدلات الفائدة على قروض الشركات والمستهلكين إلى الارتفاع، إلا أن التأثير الأقوى لهذه التغيرات يتمثل في الهزات القوية التي ضربت الأسواق الناشئة، حيث إن زيادة الاستهلاك يعني ادخار أقل، وبالتالي فإن الأموال المتاحة للاستثمار ستكون أقل، ولهذا تسعى الصين لجذب المزيد من رؤوس الأموال الأجنبية، لسد هذه الفجوة أو تقليصها على الأقل.
خلال الربع الثاني من العام الماضي حققت الصين 61 مليار دولار من صافي تدفقات الاستثمار، أي حوالي ثلاثة أضعاف المتوسط الفصلي الذي حققته في عام 2014، وذلك بالتزامن مع التقلبات والاضطرابات القوية التي عانت منها الأسواق الناشئة الأخرى، والتي سجلت جميعها صافي تدفقات يبلغ 45 مليار دولار خلال العام كله.
هيمنت الصين على 75% من استثمارات المحافظ الاستثمارية الأجنبية في الأسواق الناشئة خلال العام الماضي، ومن المتوقع أن تسجل مستوى مماثلًا تقريبًا خلال العام الجاري، مقابل 28% خلال عام 2017، بحسب تقديرات معهد التمويل الدولي.
وهذا يعني استمرار هبوط الأسواق الناشئة خلال هذا العام أيضًا، حتى لو تراجعت قيمة الدولار الأمريكي، لأن هذه الأسواق أصبحت في منافسة مباشرة مع الصين، على جذب المزيد من رؤوس الأموال الأجنبية.