من توم بالمفورث
كييف (رويترز) - خرجت أوكرانيا بأكثر مزاعمها جرأة حتى الآن بشأن مكاسبها في الهجوم المضاد الذي تشنه منذ أسبوع على القوات الروسية في الجنوب، بينما شهدت الأسواق الأوروبية تراجعا حادا يوم الاثنين بعد أن أبقت روسيا خط أنابيب الغاز الرئيسي المؤدي إلى ألمانيا مغلقا.
وبعد أيام من التزام الصمت إزاء الهجوم الجديد، نشر المسؤولون الأوكرانيون صورة على الإنترنت لثلاثة جنود يرفعون علما فوق بلدة في خيرسون، وهي منطقة جنوبية تحتلها روسيا منذ أيام الحرب الأولى.
ونُشرت صورة العلم الذي وُضع أعلى سطح في فيسوكوبيلا بشمال خيرسون على ما يبدو فيما قال الرئيس فولوديمير زيلينسكي إن القوات الأوكرانية انتزعت السيطرة على بلدتين في الجنوب وواحدة في الشرق. ولم يحدد المواقع في خطابه الليلي.
وبعد تعرضها لهجمات المدفعية الروسية في الشرق على مدى شهور، بدأت أوكرانيا أخيرا هجومها المضاد الذي طال انتظاره، وهو أكبر هجوم لها منذ صد القوات الروسية من ضواحي كييف في مارس آذار.
وأبقت أوكرانيا معظم تفاصيل حملتها الجديدة طي الكتمان، فمنعت الصحفيين من الوصول إلى الخطوط الأمامية ولم تقدم سوى القليل من التعليقات العامة من أجل الحفاظ على المفاجأة التكتيكية.
وقالت روسيا إنها صدت هجمات في خيرسون، لكن في اعتراف نادر بالهجوم الأوكراني المضاد، نقلت وكالة تاس للأنباء عن مسؤول عينته موسكو في المنطقة قوله إن خطط إجراء استفتاء على الانضمام إلى روسيا قد جُمدت بسبب الوضع الأمني.
وفي تحديث للوضع أصدرته مساء يوم الإثنين، قالت هيئة الأركان العامة الأوكرانية إن قواتها صدت القوات الروسية في منطقة لم تحددها بالقرب من كراماتورسك، وهي بلدة رئيسية في منطقة دونيتسك الشرقية، بينما قصفت القوات الروسية نحو 12 بلدة في الجنوب.
* تبديد المكاسب
يشير إعلان زيلينسكي عن السيطرة على بلدة في الشرق إلى أن أوكرانيا تستغل الضغط في الجنوب لمحاولة تبديد مكاسب حققتها روسيا في أماكن أخرى في الأشهر القليلة الماضية.
وكان زيلينسكي خفف في خطابه الليلي يون الأحد من تصريحاته عن نجاح الهجوم الأوكراني المضاد بتحذير الدول الأوروبية من أنها قد تواجه شتاء قارسا.
وترجع موسكو توقف تدفق الغاز عبر نورد ستريم 1، خط أنابيبها الرئيسي إلى ألمانيا، إلى تعطل إصلاح المعدات وصيانتها بسبب العقوبات الغربية. وكان من المقرر أن تعاود روسيا فتح خط الأنابيب (TADAWUL:2360) يوم السبت لكنها قالت إنه سيبقى مغلقا لأجل غير مسمى.
وقال دميتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين يوم الاثنين "نجمت مشاكل إمدادات الغاز عن العقوبات التي فرضتها دول غربية، من بينها ألمانيا وبريطانيا، على بلادنا".
وتقول الدول الأوروبية والولايات المتحدة إن روسيا تستخدم الطاقة سلاحا، لكنها تتعاون لضمان الإمدادات.
وقال مسؤول في البيت الأبيض "نتيجة لهذه الجهود، ستكون (مواقع) تخزين الغاز الأوروبي ممتلئة بحلول موسم التدفئة في فصل الشتاء. ما زال أمامنا المزيد من العمل لنقوم به".
وقدمت الدول الأوروبية، وعلى رأسها ألمانيا، مليارات اليورو مساعدات للمستهلكين والشركات، وهو ما ساعد الأسبوع الماضي في دفع أسعار الغاز الأوروبية إلى الانخفاض بشدة من مستويات قياسية مرتفعة.
* شتاء قاتم
لكن الأخبار التي وردت في مطلع الأسبوع عن تمديد إغلاق نورد ستريم أدت إلى ارتفاع الأسعار مرة أخرى يوم الاثنين، مع ارتفاع سعر القياس الأوروبي بأكثر من 35 في المئة، مما أثار مخاوف من شتاء قاتم للمستهلكين والشركات في جميع أنحاء القارة.
وعلى صعيد الأسهم والعملات، انخفض المؤشر داكس الألماني بأكثر من اثنين بالمئة وتراجع اليورو إلى أقل من 99 سنتا أمريكيا لأول مرة منذ عقود، ولم يكن الجنيه الإسترليني بعيدا عن أدنى مستوياته منذ منتصف الثمانينيات مقابل الدولار مع الإعلان عن ليز تراس رئيسة جديدة للوزراء في بريطانيا.
وتحدث بيسكوف المتحدث باسم الكرملين قبل ذلك بقليل، موجها انتقادات شديدة لتراس، قائلا إن الخطاب البريطاني المناهض لروسيا يعني أن العلاقات قد تزداد سوءا.
وتابع "لا أعتقد أنه يمكننا أن نأمل في أي شيء إيجابي".
وأضاف أن موسكو تعتزم الرد على ما أقدم عليه الغرب في الآونة الأخيرة من وضع سقف مقترح لسعر صادرات النفط الروسية اعتبارا من ديسمبر كانون الأول بغية تقليص مصدر الدخل الرئيسي لموسكو.
وفي روسيا، التي حظرت فعليا وسائل الإعلام المستقلة منذ أن أطلق الرئيس فلاديمير بوتين "عمليته العسكرية الخاصة" في فبراير شباط، ألغى قاض رخصة الصحيفة الليبرالية نوفايا جازيتا، وهي واحدة من آخر الأصوات غير الرسمية.
وقال رئيس تحريرها دميتري موراتوف، الذي فاز بجائزة نوبل (OTC:NEBLQ) للسلام العام الماضي عن نضال الصحيفة من أجل حرية التعبير، إن الحكم "استهداف سياسي يفتقر لأدنى أساس قانوني".
كما أصدرت محكمة روسية حكما على صحفي سابق بالسجن 22 عاما بتهمة الخيانة بعد أن قال ممثلو ادعاء إنه كشف أسرار الدولة، ويقول أنصاره إن القضية انتقام منه لكشفه تفاصيل صفقات الأسلحة الدولية لروسيا.
في غضون ذلك، حث رئيس الوزراء الأوكراني دنيس شميهال الاتحاد الأوروبي يوم الاثنين على إمداد كييف بمزيد من الأسلحة والعتاد بينما عرض المساعدة في إمداد التكتل بالغاز لتقليل اعتماده على روسيا.
ومع تحول القتال إلى جنوب أوكرانيا، تركز الاهتمام الدولي في الأسابيع القليلة الماضية على محطة زابوريجيا للطاقة النووية التي استولت عليها روسيا ولكن لا يزال يديرها مهندسون أوكرانيون ومرتبطة بشبكة الكهرباء الأوكرانية.
ويتبادل الجانبان الاتهامات بالمخاطرة بحدوث كارثة نووية من خلال قصف المناطق القريبة من المحطة. وقالت شركة الطاقة النووية الحكومية الأوكرانية (إنرجوأتوم) إن آخر مفاعل عامل في المحطة انفصل عن الشبكة الأوكرانية يوم الاثنين بعد أن تسبب قصف روسي في تعطيل خطوط الكهرباء. ولم يصدر بعد تعليق عن روسيا.
وقالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة يوم الاثنين، نقلا عن معلومات من كييف، إن الخط الاحتياطي الذي يزود المحطة بالطاقة الكهربائية تم فصله عمدا لإخماد حريق، لكنه لم يتضرر.
وأضافت الوكالة في بيان "تواصل محطة زابوريجيا تلقي الكهرباء التي تحتاجها من أجل السلامة من مفاعلها الوحيد العامل".
ونصح المستشار الرئاسي الأوكراني ميخايلو بودولياك سكان شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا، الواقعة أبعد إلى الجنوب، بإعداد ملاجئ من القنابل وتخزين الإمدادات "خلال إجراءات إنهاء الاحتلال".
وكتب على تويتر "كل شيء سيكون أوكرانيا".
(شارك في التغطية ماكس هاندر ورون بوبيسكي - إعداد علي خفاجي للنشرة العربية - تحرير دعاء محمد)