في حزيران/يونيو من العام الحالي، أعلنت حكومة إقليم كردستان (KRG) أن الحكومة ستجري إستفتاء على استقلال الأكراد بتاريخ 25 أيلول/سبتمبر.حسب الوضع الحالي، تتمتع حكومة إقليم كردستان بالاستقلال الذاتي في المناطق الشمالية من العراق، حيث أغلبية السكان من الأكراد، على الرغم منأن هذه المنطقة تعتبر جزءاً من العراق من الناحية التقنية.
يتمتع هذا الاستفتاء بالقدرة على إثارة القلق لكل من التحالفات الجيوسياسية، وأسواق النفط على السواء.المنطقة التي تريد حكومة إقليم كردستان أن تعلنها مستقبلاً كدولة كردستان المستقلة تشمل أراضي لا تعتبر جزءاً من منطقة الحكم الذاتي الكردية بشكل رسمي، ولكنها مناطق تقع تحت سيطرة قوات البشمركة العسكرية الكردية حالياً. تشمل هذه المناطق الإضافية قدراً كبيراً من الموارد النفطية الموجودة في شمال العراق. إن المفترض في هذا السياق هو أن تسيطر حكومة إقليم كردستان على 6% فقط من موارد العراق النفطية، لكن فعلياً، تسيطر حكومة الإقليم على حوالي 20%.
إذا صوت إقليم كردستان لصالح الإستقلال، وكانت حكومة الإقليم قادرة على المحافظة عليه عسكرياً، فسيكون من الممكن أن تسيطر دولة كردستان المستقلة على ما يقرب من 28.5 بليون برميل من إحتياطيات النفط الخام. وهذا سيضع الدولة الجديدة بين كبار منتجي النفط في العالم، مباشرة فوق نيجيريا.
إذا أخذنا هذا الحدث السياسي من منظور أسواق النفط بشكل بحت، فإن الإستفتاء قد لا يؤثر على أسواق النفط على المدى القصير أو الطويل، وذلك لأن إقليم كردستان سوف يحاول على الأرجح مواصلة إنتاج النفط بنفس المستويات الحالية أو مستويات قريبة منها في مرحلة ما بعد الإستقلال. ولكن من ناحية أخرى، يطرح هذا الاستفتاء مجموعة متنوعة من القضايا الإقليمية التي يمكن أن تحرك أسعار النفط إعتماداً على كيفية تطورها.
إذا أعلن إقليم كردستان الاستقلال، فأين سيذهب نفطها؟ الطريق التي يسلكها النفط الكردستاني إلى الأسواق حالياً، هي عبر خط أنابيب (جايهان) الذي يصل إلى 2 من موانئ تركيا. ودائماً ما كانت المعارضة التركية لإستقلال كردستان قوية جداً. وفي تركيا، يعتبر حزب العمال الكردستاني جماعة إرهابية. قد تقوم تركيا بإغلاق خط أنابيب (جايهان)، أو من ناحية أخرى، قد تكون دولة كردستان المستقلة متخوفة من مرور نفطها عبر أراضي دولة مجاورة معادية لها. وبدلا من ذلك، يمكن للأكراد محاولة إسترضاء تركيا من خلال تجديد عرضهم لبيع حصة من حقول النفط في إقليم كردستان لتركيا.
هل ستحدث دولة كردستان المستقلة صدعاً في منظمة (أوبك)؟ إذا ما إنتهى الأمر بأن تكون 20% من موارد النفط العراقية الحالية تحت سيطرة الدولة الكردية المستقلة الجديدة، فإننا قد نجد أن أعضاء آخرين في منظمة (أوبك) يهدفون إلى إن تصبح كردستان عضواً في منظمة (أوبك)، حتى يبقى هذا الحجم الكبير من النفط ملتزماً بإتفاقيات المنظمة. وفي حالة مد أعضاء أوبك القويين مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت أيديهم إلى حكومة كردستان بطريقة تتوافق مع الاعتراف الدولي بإستقلال كردستان، فإن ذلك يمكن أن يسبب خلافاً خطيراً مع كل من العراق وإيران. وقد يكون أحد الدلائل على أن ذلك الأمر قد يتحقق بالفعل، هو إذا ما قامت (أوبك) بدعوة حكومة إقليم كردستان إلى اجتماعها القادم في فيينا في تشرين الثاني/نوفمبر.
ولكن إذا ما فشلت منظمة (أوبك) في جلب الـ 20% من النفط العراقي الذي ستسيطر عليه حكومة كردستان المستقلة إلى المنظمة، فإن ذلك قد يؤدي إلى حدوث خلاف مع المشاركين الرئيسيين من الدول غير الأعضاء في (أوبك) في إتفاق خفض الإنتاج. وكانت كل من روسيا وكازاخستان قد أعربتا بالفعل عن استيائهما من فشل منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) في السيطرة على مستويات الإنتاج في كل من ليبيا ونيجيريا، اللتان هما دول أعضاء في المنظمة. وإذا ما أصبح هنالك منتج كبير أخر لا يمكن السيطرة عليه (في صورة دولة كردستان المستقلة)، فإن ذلك سيزيد من قلق الدول غير الأعضاء المشاركة مع (أوبك) في إتفاق خفض الإنتاج الساري حالياً. للحفاظ على إتفاق خفض الانتاج، فإنه قد يكون من المهم الحفاظ على النفط الكردي كجزء من المنظمة.
يمثل إستفتاء الاستقلال الكردي حدثاً مجهولاً إلى حد كبير لأسواق النفط، فلا أحد يعرف كيف ستتطور الأمور، أو الكيفية التي سيعاد فيها رسم التحالفات الجيوسياسية والنفطية في ظل هذا الحدث.
في كثير من الأحيان، تنتهي الأحداث الكبيرة على نتائج صغيرة، ولكن فيبعض الأحيان تؤدي إلى تغييرات إقليمية غير متوقعة، وقد تتسبب في إعادة رسم التوازن بين القوى الإقتصادية والجيوسياسية. إن إعلان إستقلال الأكراد سيعني أن هنالك دولة جديدة، وغير عربية، في قلب الشرق الأوسط، ولا يمكن لأحد أن يتوقع ماذا سينتج عن ذلك.