توقعات 2018 : البنوك المركزية الرئيسية تحت السيطرة والقليل من المفاجئات

تم النشر 08/01/2018, 14:51
محدث 02/09/2020, 09:05

تغيرت حال البنوك عالميا في 2017، ولم يحدث هذا التغير في بنك دون الآخر بس كان متزامنا في كافة البنوك تقريبا. وكان التغير الطارئ على البنوك هو العودة للتركيز على عملية "تطبيع". بينما تبذل السلطات النقدية كافة ما في وسعها لضمان تجنب حدوث أي موجات عاتية، نتوقع حدوث قليلا من المفاجآت للبنوك المركزية الرئيسية خلال 2018. وإجمالا، يبدو أن البنوك المركزية تسعى إلى الانجراف بهدوء إلى أسفل النهرـ عن طريق مجموعة من التعديلات على مسار السياسات النقدية.

وفي الواقع، إذا أظهر النمو الاقتصادي قوة أكبر من المطلوب، ربما ستحتاج البنوك إلى تغير دفة اتجاهها، وذلك لأن النمو الاقتصادي سوف يدفع التضخم إلى الزيادة. وفيما يبدو أنه أسوأ الدروس التي تعلمتها البنوك المركزية في 2017، حاولت البنوك بث مخاوفها إلى المواطنين، وتحذيرهم من أي تغييرات متهورة في مسار سياسات البنك النقدية.

سنأخذ نظرة خاطفة على التوقعات المحتملة للبنوك الأربعة الكبرى وهم: الاحتياطي الفيدرالي، البنك المركزي الأوروبي، بنك انجلترا، وبنك اليابان.

الاحتياطي الفيدرالي: الوضع مستقر

بينما تأخذ السياسة النقدية الميسرة للبنك مسارها تجاه الإلغاء، نجد أن هناك تغييرا في رئاسة البنك. إذ سنشهد في فبراير الحالي انتقال منصب رئاسة المحافظين من جانيت يلين إلى جيروم باول، ولكن ليس من المنتظر أن يحدث هذا انقلابا في السياسات النقدية لعام 2018.

واطلعنا في آخر التوقعات التي نشرت في ديسمبر الماضي، أن الفيدرالي لا يتنبأ بوجود أي تغيرات في خطة رفع الفائدة 3 مرات خلال 2018. ويبدو أنه لا يلوح في الأفق أي ضغوطات مستقبلية من البيت الأبيض بخصوص رفع الفائدة، إذ أنه يوجد مقاعد شاغرة على الرئيس ترامب ملأها في البنك المركزي الأمريكي.

وجه ترامب اتهامات للاحتياطي الفيدرالي على مدار حملته الانتخابية، بخصوص أنه يعمل على زيادة حجم الفقاعة في سوق الأسهم. وعلى الرغم من ذلك، أمضى الرئيس ترامب عامه الأول في البيت الأبيض ينسب الفضل لنفسه فيما وصلت إليه وول ستريت من أرقام قياسية. ويقول ترامب بأنه لم يعد لديه دافع كبير تجاه تغيير مسار السياسات النقدية للاحتياطي الفيدرالي.

ويصر صانعو السياسات النقدية على فرض عمليات تضييق تدريجيا، ومبنية على ما لديهم من البيانات. ويرجع السبب في هذا الإصرار إلى ما نشهده من التصاعد البطئ للتخضم متجها لنسبة 2%، فلا يوجد هنا أي مجال للمفاجآت.

ونجد أنه في الواقع أن الاحتياطي الفيدرالي يفي حاليا بما قطعه من وعود، فهو يقوم ب: التخلص تدريجيا من السياسة النقدية الميسرة، ويرفع الفائدة تدريجيا هي الأخرى. ولكن التغير الجدي الذي شهده البنك أن اجتماعاته أصبحت بلا جدوى أو تأثير.

في 2017 كان أداء الفيدرالي جيدا في إفهام السوق أهمية رفع الفائدة، مما أدى إلى أن تسعيرة السوق زادت بشكل كبير، يفوق أهمية الحدث. ولم يعر أحدا اهتمام إلى التعديلات في سياسات الأسهم الأمريكية التي تصل إلى مستويات جديدة بشكل مستمر.

ولا نتوقع أن تؤدي هذه السياسات الجديدة بخصوص رفع الفائدة دورا ضخما في تحويل الفيدرالي من مؤسسة ذات فوائد منخفضة، إلى أحد المؤسسات التي تفرض فوائد مرتفعة. ويبدو أن 2018 ستكون كما سابقتها فيما يخص عملية تشكيل وجه السياسة النقدية للاحيتاطي الفيدرالي، فنرى المحاولات الجادة من الفيدرالي بخصوص توصيل أهمية ما سيفعله مقدما للأسواق.

وعلى ما يبدو أنه لن يحدث هناك تغيرات في سياسات الفيدرالي هذا العام. ونجد أن سبب هذا الثبات هو وجوب وصول النمو الاقتصادي إلى مستويات غير متوقعة، لكي يكون هناك قدرة على زيادة الرواتب بشكل يتكافئ مع تأثير التضخم. وبغياب هذا النمو نجد أن صانعو السياسات يظلون في حالة ارتباك وتخبط، على الرغم من تراجع معدل البطالة ليصل إلى مستويات 17 سنة ماضية، ويتوقع أن ينخفض أكثر من هذا خلال 2018.

البنك المركزي الأوروبي: يقتفي خطوات الاحتياطي الفيدرالي

يتضح أن المركزي الأوروبي يدع الفيدرالي يتولى زمام الأمر، ويقتفي أثر خطواته بحذر. وأعلنت الهيئة النقدية لمنطقة اليورو في اجتماع ديسمبر، التأكيد على خطتها بشأن إنقاص المشتريات الشهرية من السندات إلى النصف (30 مليار يورو، 36 مليار دولار). وتدخل هذه الخطة حيز التنفيذ في يناير، وتمتد إلى نهاية سبتمبر من عام 2018. وليس من المؤكد أن تنتهي في سبتمبر، إذ أنه إذا ارتأى المجلس الحاكم ضرور لتمديد العمل بالخطة حتى تحقق الهدف المحدد لها، حين ذلك سوف تمتد.


ويتبع المركزي الأوروبي خطى الفيدرالي فيما يخص تحوله التدريجي إلى منظمة تفرض فائدة عالية. وصرح ماريو دراغي رئيس البنك بأنه معدل الفائدة سيبقى على ما هو عليه "لردح من الزمن. ولا يلوح في أفق صافي مشترياتنا من الأصول أي تغير في معدل الفائدة". ولا يتوقع أن تتقدم الأسواق خطوة جديدة في سياسات التسعير حتى عام 2019 على الأقل.

ويحارب البنك المركزي الأوروبي علامات التضخم الصامت المتزايدة، مثل نظيره الأمريكي. ويأتي هذا التضخم على الرغم من النمو الاقتصادي القوي بقيادة ألمانيا. ويقودنا هذا النمو إلى الاعتقاد بأن الأعضاء الداعمين لرفع الفائدة سيزيدون من الدفع في اتجاه فرض سياسات تضييق في 2018.

وإذا نجح هذا الأمر أم لم ينجح، نستطيع تبين أن البنك المركزي الأوروبي لا يختلف حالا عن نظيره الأمريكي الذي يعتمد على ما إذا كان النمو الاقتصادي سوف يتسارع محققا زيادة في تضخم الرواتب ورفع الأسعار لأعلى.

بنك انجلترا: يقع في منطقة رمادية بسبب مخاوف محيطة بمفاوضات بريطانيا حول الخروج

أصبح بنك انجلترا غريبا وسط البنوك المركزية الرئيسية الأخرى. فعلى الرغم من أن بنك إنجلترا يشهد مشكلة انخفاض تضخم الرواتب مثل البنكين السابقين، يعتبر الوحيد بين البنوك الذي شهد تضخما مؤقتا تجاوز وما يزال متجاوزا لهدفه. وألقى هذا التضخم بظلاله على تكلفة المعيشة.

وعلى الرغم من رفع بنك انجلترا لتقليل الفائدة الذي فرضه صانعو السياسات بعد تصويت البريطانين على الخروج من الاتحاد الأوروبي، ما يزال هناك احتمالات قائمة بأن صانعو السياسات لن يقوموا بفرض سياسات نقدية تضييقية جديدة. ويرجع ذلك إلى الشك وعدم التأكد الذي يحيط بمفاوضات بريطانيا مع الاتحاد الأوروبي بشأن الانفصال.

أكدت لجنة السياسة النقدية للبنك في اجتماع ديسمبر على أن التضخم قد وصل لمستويات عالية، إذ بلغ 3.1%.

لا تتوقع الأسواق في اللحظة الحالية أن يرفع بنك انجلترا الفائدة، ولن يقوم برفعها حتى نهاية 2018، إذ سيقوم بإضافة 0.025 نقطة.

وما تزال أفعال بنك انجلترا خارجة عن كل التوقعات، بينما ينتظر صانعو السياسات ليشهدوا ما إذا كانت المفاوضات سوف تستمر بانسيابية، أم ستخرج عن السيطرة. ويوجد هناك نتيجتين للمفاوضات الخاصة بالشأن الاقتصادي في محادثات شكل التداول التجاري بعد الخروج: النتيجة الأول هي نجاح بريطانيا في وضع شروط تحبذها، وفي هذه الحالة سوف يتجه بنك انجلترا إلى رفع أسعار الفائدة لعام 2018، والنتيجة الثانية هي فشل بريطانيا في فرض شروطها، وعندها سوف يستمر بنك انجلترا في توظيف كافة الجهود في محاولة دعم اقتصاد إنجلترا، ويشهد اقتصاد البلد بالفعل انخفاض حيث إنه في مؤخرة مجموعة الدول الصناعية السبع.

سيظل بنك بريطانيا في منطقة رمادية غير قادر على أخذ قرارات، وذلك حتى نهاية المفاوضات، التي من المقرر لها أن تنتهي في مارس 2019، ويعقبها فترة انتقالية تمتد لسنتين. وإن كان من الممكن وجود ارتفاع في العملة بنهاية العام.

بنك اليابان: لا تغيرات بشأن السياسة النقدية الفضفاضة

يقدم لنا بنك اليابان مثالا على الاستقرار الذي سنشهده هذا العام، فلم تقم الهيئة النقدية اليابانية بإدخال أي تعديلات أو تغييرات على السياسة النقدية لعام 2017. ورأينا في اجتماع ديسمبر أن بنك اليابان لم يغير معدل الفائدة قصير الأمد وهو سالب 0.1%، وكذلك أبقى عائد سندات أجل 10 سنوات ثابتة عند 0%.

وألمح محافظ البنك هاروهيكو كورودا بوضوح إلى أن السياسة الفضفاضة للغاية مستمرة حتى يتم وضع التضخم تحت التحكم. ولم يتلفت إلى الانتقادات الموجهة له بشأن تأثيرات السياسات الفضفاضة التي يمكن أن تغرق القطاع البنكي الياباني.

وصرح كورودا بأن الهدف الأهم هو تحقيق نسبة تضخم 2% في أقرب وقت ممكن، وجاء هذا التصريح في مؤتمر صحفي عقب قرار ديسمبر، وقال نصا: "لن نقوم برفع معدلات الفائدة، بسبب تحسن الاقتصاد فقط".

ويتوقع محللو السوق أن بنك اليابان سوف يبقي معدل الفائدة قصير الأمد، وعائد السندات على ما هما عليه حتى النصف الثاني من 2019. ويشيع بين أغلب الاقتصاديين اعتقادا بأن بنك اليابان لن يغير من سياساته حتى نهاية 2018، أو بعدها.

ومايزال هناك تهديدين يمكن أن يهدما النظام هذا العام، على الرغم من أن كورودا بذل كل ما في وسعه لطمئنة الأسواق بخصوص أن بنك اليابان سيكون متخلفا عن البنوك الأجنبية الأخرى، وواعدا الأسواق بأن سياسات بنك اليابان صلبة ولن تتغير في 2018.

وهذان التهديدان هما:
1- تنتهي فترة ولاية كورودا في أبريل هذا العام، وأي تغيرات تطرأ على القيادة يمكن أن تؤدي تغير الموقف تجاه المؤسسة. ولكن ليس من المحتمل أن يحدث هذا، إذ نرى دعم رئيس الوزراء شينزو آبي لكوررد، وعليه فأنه من الجائزجدا أن يبقى كورودو لفترة ولاية أخرى.

2- وعلى عكس الاتجاه العالمي السائد نحو التخلص من السياسات النقدية الميسرة، يجب أن نلاحظ بأنه جوشي كاتاكوا عضو بنك اليابان ناشد للاجتماع الثالث على التوالي بضرورة شراء البنك سندات استحقاق، حتى تنخفض عائدات سندات أجل عشر سنوات وغيرها أكثر مما هي عليه.

ويمكن أن يقف عائقان أمام عودة اليابان إلى التطبيع، والعائقان هما: إصرار محافظ البنك على الحاجة إلى الإبقاء على السياسة الفضفاضة جدا، ودعواته إلى سياسات فرض العائدات المنخفضة، ولكن على العموم لا يبدو أن لهذه العوائق أثرا كبير.

أحدث التعليقات

جاري تحميل المقال التالي...
قم بتثبيت تطبيقاتنا
تحذير المخاطر: ينطوي التداول في الأدوات المالية و/ أو العملات الرقمية على مخاطر عالية بما في ذلك مخاطر فقدان بعض أو كل مبلغ الاستثمار الخاص بك، وقد لا يكون مناسبًا لجميع المستثمرين. فأسعار العملات الرقمية متقلبة للغاية وقد تتأثر بعوامل خارجية مثل الأحداث المالية أو السياسية. كما يرفع التداول على الهامش من المخاطر المالية.
قبل اتخاذ قرار بالتداول في الأدوات المالية أو العملات الرقمية، يجب أن تكون على دراية كاملة بالمخاطر والتكاليف المرتبطة بتداول الأسواق المالية، والنظر بعناية في أهدافك الاستثمارية، مستوى الخبرة، الرغبة في المخاطرة وطلب المشورة المهنية عند الحاجة.
Fusion Media تود تذكيرك بأن البيانات الواردة في هذا الموقع ليست بالضرورة دقيقة أو في الوقت الفعلي. لا يتم توفير البيانات والأسعار على الموقع بالضرورة من قبل أي سوق أو بورصة، ولكن قد يتم توفيرها من قبل صانعي السوق، وبالتالي قد لا تكون الأسعار دقيقة وقد تختلف عن السعر الفعلي في أي سوق معين، مما يعني أن الأسعار متغيرة باستمرار وليست مناسبة لأغراض التداول. لن تتحمل Fusion Media وأي مزود للبيانات الواردة في هذا الموقع مسؤولية أي خسارة أو ضرر نتيجة لتداولك، أو اعتمادك على المعلومات الواردة في هذا الموقع.
يحظر استخدام، تخزين، إعادة إنتاج، عرض، تعديل، نقل أو توزيع البيانات الموجودة في هذا الموقع دون إذن كتابي صريح مسبق من Fusion Media و/ أو مزود البيانات. جميع حقوق الملكية الفكرية محفوظة من قبل مقدمي الخدمات و/ أو تبادل تقديم البيانات الواردة في هذا الموقع.
قد يتم تعويض Fusion Media عن طريق المعلنين الذين يظهرون على الموقع الإلكتروني، بناءً على تفاعلك مع الإعلانات أو المعلنين.
تعتبر النسخة الإنجليزية من هذه الاتفاقية هي النسخة المُعتمدَة والتي سيتم الرجوع إليها في حالة وجود أي تعارض بين النسخة الإنجليزية والنسخة العربية.
© 2007-2025 - كل الحقوق محفوظة لشركة Fusion Media Ltd.