في يوميات الأسواق العالمية الكثير من التفاصيل , ابتداءً من المفكرة الاقتصادية وانتهاءً بأرقام التوظيف في دولة بعيدة قد يكون أحد المضاربين الصغار بانتظارها . مناسبة هذا الكلام أن الكثيرين يتحول اهتمامهم من متابعة دقيقة للأسواق ومؤشراتها بطريقة موضوعية الى هوس يومي لايركز على معايير حقيقية بقدر تركيزه على سيناريوهات غير منطقية وتفاصيل فنية غير مجدية. لايمكن أن يتغير مسار العملة فنياً ( على الأقل ) بين ليلة وأخرى الا بحالات نادرة مرتبطة بأحداث كبرى بحيث أن هذه العملة أو ذاك تتحرك مئات النقاط كل يوم ( وهذا لايحدث حالياً ولايبدو أنه سيحدث قريباً ) والنتيجة أن مايقال يوم الأثنين مثلاً قد ينطبق على تقلبات الأسواق يوم الخميس! هذا ينطبق بشكل أو بآخر على كلام جايمس بولارد, رئيس بنك سان لويس الفيدرالي الذي أشار يوم أمس الى ضرورة التوقف عن التوقع بشأن عدد مرات رفع الفائدة الأمريكية الذي لن يغير في حقيقة أن قطار رفع الفائدة الأمريكية سيكون مستمراً بطيئاً متماشياً مع أداء الاقتصاد الأمريكي ككل حتى لو سمعنا ضجيجاً هنا أو هناك . هذا الكلام يجعلنا نعتقد أن استمرار قوة الدولار الأمريكي قد يكون فيه شيء من المبالغة أولاً , بينما لن تكون العوائد الأمريكية هي السبب الوحيد في قوته ثانياً .
هذا النموذج الذي تتبناه حالياً الأسواق قد يكون هشاً بشكل كبير ومبني على فرضية أن التضخم سيرتفع بقوة وهذا بصراحة رهان محفوف بالمخاطر . أسعار النفط لوحدها لن ترفع التضخم بشكل مستدام وقد يكون لها تأثير مؤقت . تاريخياً لم تكن العوائد الأمريكية متماشية بشكل كامل مع مؤشر الدولار الأمريكي , بمعنى أن ارتفاعها لا يعني بالضرورة ارتفاع مؤشر الدولار الأمريكي , هذه الصيغة تقودنا للاعتقاد بأنه نعم , مازال لمؤشر الدولار الأمريكي قدرة على الارتفاع حالياً , ولكن قد تتغير هذه الصورة في النصف الثاني من العام الجاري.
نلاحظ كيف أن تقلبات الباوند مثلاً تعطي مثالاً واضحاً عن الهشاشة في تقييم رفع الفائدة البريطانية. المؤشر اليومي للباوند يشير الى تشبع بعمليات البيع حالياً ولكن الاتجاه العام خلال سنة بقي اتجاهاً صاعداً , يتداول الباوند / دولار أمريكي حالياً عند 1.3540$ وهي ماتزال قريبة جداً من أدنى مستوياته خلال العام الجاري 2018 . من المهم القول أن أسعار الفائدة البريطانية كانت عند 5% ( تخيلوا هذا الرقم ) في عام 2007 وقتها كان الباوند / دولار أمريكي 2.06$ بينما الآن الفائدة البريطانية 0.5% ويصارع بنك انكلترا لرفعها بعد سنوات من التيسير الكمي وطباعة العملة الرخيصة , ولذلك يجب أن نجعل من رهاننا منطقياً .