لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يبني البنك المركزي سياسته النقدية بناءً على معيار واحد , وهذا بالتأكيد ينطبق على جميع البنوك المركزية الكبرى في العالم فما بالك بالفيدرالي الأمريكي الأكبر والأهم والأكثر سلطة وسطوة اقتصادية ونقدية . عندما تتراجع البطالة الأمريكية الى مستويات 3.8% خلال شهر أيار الفائت , وهي أدنى أرقام منذ حوالي عشرين عاماً ( عام 2000 بالتحديد ),معنى ذلك أن سوق العمل الأمريكي في قمته تماماً , وبات بمستويات ممتازة كالتي وصلها أيام بيل كلينتون في التسعينات من القرن الماضي , كما أن هذه الأرقام تعتبر الأفضل خلال الأربعين عاماً الماضية . أضاف سوق العمل الأمريكي 223 ألف وظيفة في القطاع غير الزراعي خلال الشهر الفائت وهي أفضل من الشهر الذي سبقه , بينما كان الأهم من كل ذلك ارتفاع مستويات الأجور بنسبة 0.3% على أساس شهري مرتفعةً من 0.1% وهي بالتأكيد مايرغب الفيدرالي بسماعه . تاريخياً , كان معدل التضخم الأمريكي بين عامي 1914 و 2018 عند مستويات 3.27% , وهذا يعني أن أرقام التضخم الحالية عند 2.1% ماتزال أقل من المعدل التاريخي وهذا قد يكون من الأسباب التي دفعت الفيدرالي للتساهل بشأن معدلات التضخم والتي قد لايرفع بموجبها أسعار الفائدة حتى لو وصلت الى 2.5% علماً أنه كان قد وضع 2% سابقاً كهدف اساسي للتضخم . الملاحظة الهامة هنا أن مؤشر الدولار الأمريكي لم يحقق ارتفاعاً مهماً كما كان متوقعاً بعد هكذا أخبار ! السيناريو الحالي للاقتصاد الأمريكي يجعلنا نعتقد بأن القدرة على تحقيق المزيد من الأرقام الايجابية تبقى قائمة بقوة , ولكن السؤال الى متى ؟
نعتقد بأن الاجابة عن هذا السؤال قد لاتعنينا حالياً الا بما يمكن أن نبني عليه من صفقات وتحديد تموضعنا في الأسواق العالمية . السياسة في واشنطن ليست في صالح التجارة الدولية المعولمة أمريكياً ( على الأقل حالياً ) لأن ترامب قد ينجح بتحقيق اختراقات تجارية قد يحصل من خلالها على مليارات الدولارات للشركات الأمريكية العملاقة. لا يبني الرئيس ترامب سياسته على عقيدة بل على منفعة براجماية , بمعنى أنه لن يجادل بالتبادل التجاري الا اذا كان مدركاً بقدرته على تحصيل شيئ ما , لاشيئ عبثي في سياسته الحالية. قد لايأتي ضعف الدولار الأمريكي من السياسة النقدية هذه المرة , بل من البيت الأبيض مع اعتقادنا أن نسبة 5% تقريباً من المكاسب للدولار الأمريكي خلال الشهرين الفائتين مبالغ بها سياسياً ونقدياً خاصةً بوجود اتجاه واضح للفيدرالي الأمريكي برفع الفائدة ( 1.75% حالياً ) اضافةً الى عوائد السندات الأمريكية التي تراجعت مجدداً الى 2.90% من 3.10% للعشر سنوات. ان العملات الرئيسية التي تراجعت بقوة خلال الستة أسابيع الأخيرة ( اليورو والجنيه الاسترليني ) تبقى خيارات منطقية فنياً وأساسياً للمرحلة القادمة .