يمكن القول وبكل ثقة أن أسواق الطاقة العالمية وفي مقدمتها أسعار النفط التقليدي هي أكثر الأدوات الاستثمارية التي تتدخل السياسة في تحديد مسارها . لاأحد يستطيع أن يدعي أن أسعار النفط ارتفاعاً أو تراجعاً هي مجرد انعكاس اقتصادي لتراجع الطلب العالمي أو تحسنه. عندما تراجع سعر النفط في بداية عام 2016 ووصل الى مستويات 26$ للبرميل الواحد وهي كانت أدنى مستويات نفط خام غرب تكساس منذ العام 2003 , قد يكون بجزء منه مرتبط بتراجع نمو الاقتصادين الأمريكي والصيني , الأهم والأكبر في العالم من ناحية استهلاك الطاقة , ولكن أن تصل الأسعار عندها الى هذه المستويات المتدنية معنى ذلك أن الكثير من المعايير السياسية والاقتصادية والحكومية على المحك . الآن وأكثر من أي وقت آخر , يتدخل ترامب شخصياً ليضغط باتجاه تخفيض أسعار النفط في وقت عادت فيه الأسعار الى مستويات نوفمبر / تشرين الثاني 2014 ( حالياً خام غرب تكساس قريب من 67$ للبرميل ) .
لنعد مجدداً الى الأرقام فقد تفيدنا . أكبر المنتجين في العالم هم ثلاثة دول :
روسيا أولاً 10.5 مليون برميل يومياً
السعودية 10 مليون برميل يومياً
الولايات المتحدة الأمريكية 9.2 مليون برميل يومياً
تشير الأرقام الى أن أي تغيير جذري في أسعار الطاقة يستلزم اجراءاً أو قرراً من واحدة من هذه الدول أولاً . من ناحية أخرى, تنتج منظمة أوبك تقريباً 31.9 مليون برميل يومياً , ومع عدم وجود روسيا في هذه المنظمة لايوجد سوى السعودية من هو مؤثر بشكل حقيقي , كما أن مصداقية منظمة أوبك أصلاً مشكوك فيها دائماً بقدرتها على المناورة واتخاذ قرار حاسم دون تدخل من الحكومات. تنتج أوبك فعلياً مايعادل 30% من الطلب العالمي الذي وصل الى 97.8 مليون برميل يومياً كمعدل في 2017 , وهذه نسبة مهمة وليست قليلة أبداً. أسعار النفط المرتفعة هي سلاح ذو حدين, مفيدة جداً للمنتجين دون استثناء وسلبية على المستهلكين الكبار الذي لاينتجون النفط (اليابان , الصين والهند) .
تشير الأرقام الصادرة عن ادارة معلومات الطاقة الأمريكية أن أمريكا استهلكت مايعادل 19.69 مليون برميل يومياً في عام 2017 , بينما أنتجت مايقارب 10.47 مليون برميل أي نصف الاستهلاك تقريباً. هذه الأرقام تؤكد أن هذه الدول وحدها من يقرر مستقبل أسعار الطاقة , اضافةً الى قدرة الاقتصاد الصيني الذي هو المستورد الأكبر للنفط في العالم. الفنيات لاتفيد كثيراً هنا , المؤشر اليومي لسنة واحدة يشير الى امكانية تحقيق مزيد من الارتفاع التي قد تصل به مجدداً الى 70$ للبرميل , ولكن الضغط السياسي الأمريكي قد لايكون لصالح منظمة أوبك كما أن حجة ترامب بالقاء اللوم على أوبك تبدو سياسية أكثر منها واقعية ولن تغامر دول أوبك بأسعار متدنية تحت 60$ للبرميل حالياً وخاصة السعودية وروسيا وايران .