لا أحد يمكنه اقناع الأسواق بغير القصة الحالية . هذه القصة التي وبلا شك تشير الى أن عوائد السندات الأمريكية هي نتيجة وهي كذلك سبب أساسي لهذه القوة في الدولار الأمريكي . عندما ترتفع العوائد على سندات الخزينة الأمريكية لعشر سنوات الى أعلى مستوياتها في سبع سنوات , هذا معناه أن الثقة بالاقتصاد الأمريكي أولاً , وبقدرة الفيدرالي الأمريكي على رفع الفائدة تدريجياً ثانياً هي ثقة قوية وتزداد توقعاتها الإيجابية . وصلت عوائد سندات الخزينة الأمريكية لعشر سنوات الى 3.16% يوم أمس الأربعاء . فنياً لا يبدو أن هناك نقاط مقاومة مهمة قبل مستويات 3.5% وهو مستوى مهم للغاية , لأن الوصول اليه يعني ببساطة ارتفاع مؤشر الدولار الأمريكي الذي وصل مجدداً اليوم صباحاً الى 96 نقطة محققاً ارتفاعاً لليوم السابع على التوالي دون توقف من مستويات 94.20 نقطة . كنا أشرنا سابقاً الى أن الدولار الأمريكي سيتمتع بقوة في هذه الفترة قبل أن نصل الى نهاية العام الجاري بانتظار الاجتماع الأخير للفيدرالي في عام 2018 في شهر ديسمبر / كانون الأول القادم والذي قد يشهد مجدداً رفعاً للفائدة الأمريكية لتصل عدد مرات رفع الفائدة الى أربع مرات هذا العام , متجاوزاً الكثير من التوقعات ( حقيقةً توقعنا ثلاثة مرات على أكثر تقدير ), الفائدة الأمريكية حالياً عند 2.25% . لا يمكن بحال من الأحوال أن نراهن ضد التيار الحالي لأن هذه القوة لم تنتهي بعد . لكن ما يمكن عمله هو عدم الانكشاف الكبير على مستويات المخاطر حتى نترك مجالاً جيداً لبناء مستويات تدريجية جديدة على مختلف العملات التي تراجعت بقوة ومنها اليورو والاسترليني .
وصل اليورو الى أدنى مستوياته منذ 20 آب الفائت , متراجعاً لليوم السابع على التوالي ليكسر مستويات 1.15$ المهمة نفسياً , بينما تبدو نقطة الدعم القوية 1.1350$ غير بعيدة التحقيق . لاشك بأن قوة الدولار الأمريكي لعبت الدور الأساسي , ولكن بالمجمل أتت الأرقام من منطقة اليورو يوم أمس أقل من التوقعات بالنسبة لمبيعات التجزئة على أساس شهري , كما أن مؤشر مدراء الشراء للخدمات والتصنيع أتى أقل من السابق عند 54.1 نقطة متراجعاً من 54.2 نقطة سابقاً. ما يهمنا حالياً أن تراجع اليورو قد يكون مؤقتاً لأن المشكلة الإيطالية ضغطت على اليورو في الأيام القليلة الفائتة ولكن هذا يعتبر برأينا عاملاً مؤقتاً. حتى مع التراجع الحالي , بقي اليورو الى حد ما ضمن المجال الذي تحرك فيه خلال الأشهر الفائتة بين 1.15$ و 1.18$ . لا يقلقنا تراجع اليورو الحالي أبداً من ناحية أساسية أولاً , ومن ناحية الاستثمار المتوسط الأجل .
الارتفاع القوي لعوائد السندات الأمريكية لا يعبر فقط عن ثقة باقتصاد أمريكيا ولكن أيضاً يشير الى بيع السندات وعدم شرائها حالياً وخاصة من قبل المستثمرين الأجانب وهذا ما قاله يوم أمس بيل غروس ( المستثمر الأهم في العالم في السندات ) . لن يحدث تغيير جذري في عوائد السندات الامريكية الا اذا تحققت هذه العوامل:
أولاً , بداية تراجع قوي للأرقام الاقتصادية الأمريكية ( ثلاثة أشهر متتالية على الأقل ) وهذا مستبعد حالياً.
ثانياً , التوقف عن رفع الفائدة وتغيير النظرة الحالية لقدرة الفيدرالي الأمريكي وهذا يبدو غير وارد , على الأقل حالياً.
ثالثاَ , إعادة شراء السندات تدريجياً مستفيدةً من رخص أسعار السندات الأمريكية . هذا سيناريو وارد بقوة ولكن لن يظهر التأثير الا بعد مرور عدة أشهر ( ستة أشهر على أقل تقدير ) .