السؤال الذي يتبادر الى أذهان الكثيرين , ماذا يحدث في أسواق النفط العالمية في الآونة الأخيرة ؟ والحقيقة أنه للإجابة عن هذا السؤال لا بد لنا أن نعرف أولاً, ماهي المعايير الحقيقية الأساسية التي تتحرك بموجبها أسعار النفط هبوطاً أو ارتفاعاً!
عندما وصل سعر نفط خام غرب تكساس الى مستويات 76.80$ للبرميل قبل شهر من الآن , كان هذا المستوى هو الأعلى منذ أربع سنوات تماماً ,أربع سنوات تراجعت فيه أسعار النفط بقوة وكان خام غرب تكساس عند مستويات 107$ للبرميل.عندما تكلم الأمريكيون عن الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني قبل عدة اشهر , كما كان متوقعاً ارتفعت أسعار النفط بسبب المخاوف من خروج النفط الإيراني من المعادلة , يصل الإنتاج النفطي الإيراني الى ما يقارب 3.9 مليون برميل يومياً تضعها خلف السعودية والعراق من ناحية الإنتاج في منظمة أوبك . فنزويلا التي تنتج أيضاً ما يقارب 2.2 مليون برميل يومياً تمر بواحدة من اسوء ازماتها الاقتصادية والسياسية في تاريخها , وعقوبات أمريكية مستمرة على صادراتها . عندما وصلت الأسعار الى فوق مستويات 70$ للبرميل , بدأ الجميع بالكلام عن 100$ ولكن السؤال المهم لماذا سيصل سعر النفط الى 100$ للبرميل آخذين بعين الاعتبار المعايير الاقتصادية والسياسية ؟ لا نعتقد أن الاقتصاد العالمي يفيده أن تصل الأسعار الى مستويات المئة دولار وخاصة من دول كالصين والهند التي بالأساس تعتبر حالياً قاطرة نمو الاقتصاد العالمي والمزيد من الارتفاعات النفطية لا يفيد نموها , كذلك ينطبق الكلام على اليابان التي تشكل مع الهند والصين أكبر الدول المستوردة للنفط في العالم . مستويات الاستهلاك العالمي للنفط او الإنتاج لم تتغير جذرياً وبالتالي قد يبدو الكلام عن الطلب والمعروض النفطي غير دقيق تماماً. لابد هنا أن نأخذ في الحسبان الكثير من التفاصيل والتطورات التكنولوجية والسياسية ومنها :
أولاً , قد يكون التحول العالمي للطاقات المتجددة بطيئاً ولكن مستمر وبخطى واثقة ومتقدمة وخاصةً في دول القارة الأوربية وكندا والولايات المتحدة وحتى الصين . لن يتغير الاستهلاك العالمي التقليدي لعقود طويلة بفترة زمنية قصيرة , ما يهمنا وجود رؤيا عالمية إيجابية اتجاه الطاقات النظيفة وتخفيف استهلاك الوقود التقليدي عالمياً .
ثانياً , لا نعتقد أن السعودية قد تلجأ للنفط كسلاح , السعودية لديها علاقات دولية كبيرة ومهمة وليست أصلاً في وارد هذا السيناريو . تدرك أمريكا أن علاقاتها مع السعودية علاقات استراتيجية طويلة الأجل ولن تتأثر بحادث هنا أو قصة هناك. أمريكا أصبحت من الدول المصدرة للنفط , هذا تغيير مهم جداً وسيترك تأثيراً على أسواق الطاقة في السنوات القليلة القادمة.
ثالثاً , السيناريو المنطقي المقبول أن تبقى أسعار النفط ضمن نطاقها الحالي , بين 58$ و 75$ للبرميل سيكون مريحاً للمنتجين , أفضل بكثير من الثلاثة أعوام الماضية وبنفس الوقت لا ترهق الدول المستوردة التي لديها أيضاً قوة سياسية عالمية وشركات عملاقة تستطيع اقناع عملائها بجدوى الاستثمار في هكذا بيئة .