لطالما أعطتنا الأسواق إشارات مهمة للغاية , قد تكون بداية لتحول جديد في الاتجاه العام وقد تكون مجرد ردة فعل على قرار مالي أو سياسة نقدية للبنك المركزي . رفع الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة يوم أمس بربع نقطة مئوية كما كان متوقعاً , وأصبحت الفائدة في أمريكا عند 2.50% , الأعلى بين الاقتصاديات المتقدمة. كل هذا جيد ومتوقع , اذاً السؤال لم الخوف والتردد أو التشكيك بقدرة الفيدرالي الأمريكي مستقبلاً؟
الإجابة عن هذا السؤال مهمة للغاية , وحقيقةً أتت مباشرةً من خلال أداء مختلف الأدوات الاستثمارية , مؤشرات الأسهم , الدولار الأمريكي وبقية العملات الرئيسية. الارتفاع الذي حصل لمؤشر الدولار الأمريكي كان متواضعاً جداً , ارتفع الى 96.60 نقطة , من مستويات 96.30 نقطة , علماً أنه كان قريباً من 98 نقطة قبل أسبوعين , هذا أولاً.
ثانياً , تراجعت عوائد السندات الأمريكية لعشر سنوات الى مستويات 2.75 اليوم في آسيا , الأدنى منذ آذار / مارس الفائت , كنا قد قلنا أن التراجع سيحدث تدريجياً , ولن يكون هذا التراجع الحالي الا بدايةً للوصول الى مستويات أدنى.
ثالثاً , صحيح أن اليورو تراجع يوم أمس بعد قرار الفيدرالي , ولكن هذا التراجع بقي بسيطاً أو محدوداً الى حد ما, من مستويات 1.1430$ الى مستويات 1.1366$ , علماً أنه يتداول حالياً عند 1.1396$ .
رابعاً , منيت مؤشرات الأسهم الأمريكية بخسائر قاسية , فقد مؤشر داو جونز مستويات 24029 نقطة يوم أمس ووصل الى 23152 نقطة حالياً , تراجع قاسي بأكثر من 4% في يوم واحد , بينما تراجع مؤشر داكس 30 الألماني بنسبة غير كبيرة من 10800 نقطة الى 10620 نقطة .
اذا اعتبرنا أن كل هذه التقلبات والمستويات هي إشارات بعد قرار الفيدرالي الأمريكي وخطاب جيروم باول , يمكننا حقيقةً القول بأن هذه الإشارات تجيب عن السؤال المهم الى أين المسار القادم للدولار الأمريكي ورفع الفائدة مستقبلاً؟
أولاً, تأثرت مؤشرات الأسهم الأمريكية بالتوقعات الضعيفة لرفع الفائدة وللأداء الاقتصادي ككل خلال السنوات القادمة , بمعنى التراجع القاسي يحدده معيار اقتصادي أكثر من سياسة نقدية مؤقتة . ستلتفت مؤشرات الأسهم الى معايير النمو حتى لو لم يكن الفيدرالي قوياً برفع الفائدة . صحيح أن باول كان أكثر قوة من التوقعات ولكن هذا غير كاف لوحده حتى تتراجع المؤشرات بقوة لأن النظرة الآن على المستقبل القادم والذي يبدو أنه سيكون أعقد من التوقعات لذلك كان التراجع قاسياً.
ثانياً , رفع الفائدة بأربع مرات خلال العام الجاري والحذر اتجاه العام القادم يعني بالضرورة أن سياسة الفيدرالي المتكيفة ستبقى موجودة , براجماتية اقتصادية وسياسية علماً أننا لا نعتقد بأن الفيدرالي سينصت الى الرئيس ترامب الذي يرغب بأسعار فائدة متدنية ودولار أمريكي ضعيف .
ثالثاً, ردة فعل الأسواق بعد القرار تشير الى أنه من المستبعد أن يرتفع الدولار الأمريكي بقوة خلال المرحلة القادمة , وهذا بشكل أو آخر سيكون جيداً لليورو .
رابعاً , تراجع المؤشرات الأوربية بقي اقل بكثير من الأمريكية لعوامل نقدية واقتصادية . في هكذا تراجع , وقبل أن يبدأ المركزي الأوربي رفع الفائدة خلال العام القادم ( ليس قبل الربع الرابع مثلاً ) ستكون مؤشرات الأسهم الأوربية فرصة جيدة ولكنها حذرة.