عندما يخسر مؤشر داو جونز قرابة 15% من قيمته خلال شهرين فقط , هذا يعني أن شيئاً سيئاً يحصل , السؤال المهم الآن , هل سيصبح الوضع أسوء وتستمر هذه الخسائر القاسية؟
لا شك أن هذا التراجع القاسي وخاصة خلال الأسابيع القليلة الماضية كان مرتبطاً بعدة عوامل أساسية وفنية وكذلك سياسية , لا أحد يستطيع أن يقنع الكثيرين أن الفيدرالي يدرك الآن خطأ سياسته النقدية وبالتالي الأسواق ستدفع الثمن , لأن الفيدرالي ببساطة لا يفكر بهكذا طريقة ’ كما أن الارتفاعات السابقة لم تكن أصلاً مرتبطة فقط بأسعار فائدة متدنية أو بسياسة نقدية متساهلة لم ترتفع فيها الفائدة بقوة الا خلال العام الجاري 2018 ( أربع مرات رفع فائدة ) . ما زلنا نعتقد أن الفيدرالي تأخر كثيراً للبدء برفع الفائدة قبل عامين فقط في الوقت الذي كان الاقتصاد الأمريكي يؤدي أداءً يعتبر جيداً جداً بمعايير اقتصادية وتاريخية ’ لكن أن تنتظر القطار حتى يصل للمحطة ثم تبدأ بإصلاحه فهذا خطأ كبير لأن الإصلاح كان يجب أن يكون قبل البدء بالرحلة وليس بعد انتهائها . يجد الفيدرالي نفسه الآن مقيداً بثلاثة عوامل أساسية :
أولاً , لا يرغب بصدم الأسواق والقيام برفع الفائدة بسرعة خلال الأعوام القادمة لذلك السياسة النقدية المتكيفة كانت وستبقى العنوان العريض والتبرير لأي فشل مستقبلي محتمل , التأخر حصل والآن السرعة لم تعد تجدي أبداً.
ثانياً , يعرف الفيدرالي تماماً أن مستويات الديون الأمريكية القياسية ستقع يوماً ما ( قد يكون قريباً ) على رؤوس المستهلكين الأمريكيين ولذلك فان رفع الفائدة لن يزيد حقيقةً الا من أعباء هذا الدين تدريجياً حتى الوصول لمرحلة الانهيار .
ثالثاً , التدخلات السياسية للبيت الأبيض قد لا تكون جديدة ولكنها لم تصل الى هذه المرحلة من التأثير في النشاط الاقتصادي. البيت الأبيض يفكر بمنطق براجماتي سياسي للفوز بأربع سنوات قادمة , والفيدرالي يفكر بسياسة نقدية اقتصادية للحفاظ على مستويات الدولار الأمريكي والأداء الاقتصادي ككل .
يعتبر ترامب أن التصحيح القاسي لمؤشرات الأسهم الأمريكية سلاح يشنه الفيدرالي ضده شخصياً لأن ترامب لطالما تباهى بأن المكاسب القياسية للمؤشرات الأمريكية كان بسببه وبسبب تخفيض الضرائب على الشركات الأمريكية.
تعتبر المستويات الحالية للداو جونز 22529 نقطة هامةً للغاية لأنها باتت قريبة من الدعم المهم عند 21700 نقطة والتي يمكن أن يصلها قريباً من الناحية الفنية. الزخم البيعي موجود بقوة , مؤشر RSI يشير الى تشبع بيعي ولكن هذا لا يعني الانتهاء من البيع حالياً. اذا كنت عزيزي القارئ من المضاربين عليك بشراء سريع وصفقات صغيرة , لا أشجع على بيع المؤشرات حالياً بقوة حتى تهدأ العاصفة لأن السياسة قد تستقر مجدداً داخل أعضاء إدارة ترامب ولو أني أعتقد أن ترامب قد يواجه مشكلات أكبر خلال العام القادم . جزه مهم من تراجع المؤشرات ارتبط بإمكانية اغلاق الحكومة الأمريكية والجدل السياسي بشأن مستقبل بأول كرئيس للفيدرالي لأمريكي حيث يبدو ترامب غبر مقتنع بأدائه بالنسبة لرفع الفائدة الأمريكية . لا تضع عزيزي القارئ أفكاراً في ذهنك من نوعية أن التراجع بنسبة 15% يعتبر نهائياً , لأن نسبة التراجع لم تكن أبداً في يوم من الأيام قاعدة عامة .