لطالما كانت خطابات واجتماعات جيروم باول رئيس الفيدرالي الأمريكي مهمةً للغاية , الجميع يترقبها وينتظرها سواءً المتداولين أو حتى صناع السياسة النقدية على مستوى العالم . ولكن الأيام تتغير وقد تتغير معها التوجهات والأولويات حتى بالنسبة للفيدرالي الأمريكي الذي هو بالنهاية مؤسسة نقدية مالية تأخذ بعين الاعتبار استقرار الدولار الأمريكي ونمو الاقتصاد الأمريكي قبل أي شيء آخر . من الواضح أن رفع أسعار الفائدة الأمريكية أربع مرات خلال العام الماضي 2018 تعكس توجهاً مهماً :
أولاً , الثقة بأداء الاقتصاد الأمريكي الذي يمكنه أن يتحمل فائدة أعلى من قبل , أسعار الفائدة الأمريكية حالياً عند 2.50% .
ثانياً , التغيير التدريجي والبطيء في سياسة الفيدرالي الأمريكي النقدية وهنا يكمن الجدل الكبير حالياً.
صحيح أن الفائدة الأمريكية ارتفعت خلال العام الفائت ولكن لا يمكن القول أبداً أن السياسة المتكيفة للفيدرالي الأمريكي قد انتهت الى غير رجعة بل على العكس انها ماتزال واضحةً في تعاطي الفيدرالي الأمريكي وخطابات باول. لن يتبع الفيدرالي سياسة نقدية جاهزة أو سياسة اقتصادية ايدلوجية , على العكس تماماً كانت وستبقى سياسة نقدية براجماتية تأخذ بعين الاعتبار كل تفاصيل الاقتصاد الأمريكي ( التضخم , الاستهلاك الداخلي , التجارة الدولية , الدين الأمريكي وعوائد السندات ) ولكنها لن تلتفت الى تصريحات ترامب أو رغباته كما يظن البعض , هذه السياسة النقدية ستكون قابلةً للتغيير دائماً كلما كان الاقتصاد يتطلب ذلك.
ماذا يعني هذا الكلام ؟ يعني ببساطة أن تخفيض الفائدة مثلاً سيكون خياراً موجوداً في حال حدوث ركود اقتصادي , لن يكون الآن ولكن سيكون ذلك مسألة وقت . وهذا يعني أن قوة الدولار الأمريكي التي بنيت على فرضية رفع الفائدة وارتفاع العوائد على السندات الأمريكية تراجعت خلال الشهر الماضي وهذه فقط البداية لأن الدولار الأمريكي القوي لن يفيد أمريكا في حربها التجارية المعلنة وغير المعلنة مع الصين . الدولار الضعيف سيعطي مجالاً لمؤشرات الأسهم أن تعوض قليلاً من خسائرها القاسية التي منيت بها مع نهاية العام الفائت اضافةً الى ارتفاع شهية المخاطرة . في هكذا بيئة استثمارية , ستستفيد العملات الرئيسية مقابل الدولار الأمريكي ( اليورو , الدولار الأسترالي والكندي ) وتحقق مزيداً من المكاسب التدريجية .