لطالما كانت أسواق السندات الأمريكية معياراً هاماً للغاية في قراءة الاتجاه العام للأسواق العالمية بمختلف الأدوات الاستثمارية , العملات ومؤشرات الأسهم على حد سواء. تبقى أسواق السندات الأمريكية هي الأكبر في العالم والأكثر سيولة مقارنةً ببقية السندات الحكومية الكبيرة . تعتبر عوائد السندات الأمريكية من أهم المعايير لقراءة مستويات المخاطر ومعرفة شهية المخاطرة , كلما ابتعد المستثمرون عن شراء السندات ارتفعت عوائدها لصالح مؤشرات الأسهم ولصالح الأدوات الاستثمارية عالية المخاطر الا في حالات بسيطة فقد تتراجع العوائد وتبقى مؤشرات الأسهم قوية كما يحدث حالياً حيث تراجعت عوائد السندات الأمريكية منذ أكتوبر / كانون الأول الفائت من مستويات 3.2% لسندات العشر سنوات لتصل الى 2.37% حالياً , بينما بقي مؤشر داو جونز مرتفعاً ومحتفظاً بمعظم مكاسبه قريباً من 26000 نقطة رغم التصحيح البسيط و بعد التراجعات القاسية في نهاية العام الفائت.
الكثير يسأل من يجب أن يكون الأساس ’ تراجع الأسهم أو تراجع السندات ؟ ونحن نقول أن تراجع عوائد السندات قد يكون الأهم لأنه سيقود معه تراجع الأسهم بطريقة أكبر وليس العكس , كما أن تراجع عوائد السندات سيؤثر مباشرةً على أداء الدولار الأمريكي وبقية العملات ولأن السندات الحكومية الأمريكية هي أدوات دين آمنة الى حد ما وفيها سيولة عالية فإنها تجذب مليارات الدولارات من الحكومات الكبيرة ( الصين واليابان مثلاً ) وليس مثل الأسهم .
المسار التاريخي خلال مئة عام مثلاً كان صاعداً لمؤشر الداو جونز منذ أن كان عند مستويات متدنية عند 1000 نقطة , بينما كان مسار السندات الأمريكية مختلفاً تماماً حيث بدأت العوائد بالتراجع خلال الأربعين عاماً الأخيرة عندما كانت العوائد عند 15.8% في عام 1981 وتراجعت الى 1.36% في تموز / 2016 .
يقودنا هذا الكلام لنتيجة بأن قوة مؤشرات الأسهم لا تعني الاستقرار ابداً كما أن عوائد السندات قد تكون الأقدر على قراءة الأزمات المالية المستقبلية ( في حال حدوثها ) . لم تكن قوة الدولار الأمريكي أو ضعفه مرتبطةً بتراجع عوائد المستندات الأمريكية في جميع الأوقات , حيث نرى مثلاً أنه على رغم تراجع العوائد في الأشهر الأخيرة الى أن مؤشر الدولار الأمريكي بقي مرتفعاً قريباً من 98 نقطة حالياً وهو أعلى مستوى للدولار الأمريكي في سنتين تقريباً وهذا مرتبط أساساً بغياب أي بديل للعملة الأمريكية التي يدفع الفيدرالي الأمريكي عليها أسعار فائدة عند 2.5% حالياً هي الأعلى بين الاقتصاديات المتقدمة , هناك نقطتين مهمتين للغاية:
أولاً , التراجع المستمر في عوائد السندات سيقود مؤشرات الأسهم الى حالة سلبية من عدم الاستقرار. الزخم الحالي للاقتصاد الأمريكي لا يقارن بما كان عليه قبل عامين وهذا معناه أنه مع كل هذه القوة ولم ترتفع العوائد فماذا سيكون وضع العوائد لاحقاً , غالباً لن يكون مرتفعاً بل للمزيد من الضغوط البيعية.
ثانياً, لن يتراجع مؤشر الدولار الأمريكي بسرعة بل بشكل تدريجي , هذا سيجعل من بقية العملات أمام مرحلة غير واضحة , بمعنى حتى ارتفاع بقية العملات الرئيسية مقابل الدولار الأمريكي سيكون بطيئاً حيث لا نتوقع مزيداً من القوة للدولار الأمريكي حالياً.