"إن اقتصاد ترامب يحقق نتائج وأمامه طريق طويل صعوداً، إذا تسلّم زمام الأمور أي أحد غيري في 2020 (أنا أعرف المنافسة بشكل جيد)، سيكون هناك انهيار للسوق غير مسبوق"،
هذه التغريدة أطلقها الرئيس ترامب مؤخراً، فهل بالفعل هذا التهديد يحمل معنى حقيقياً؟ وهل بالفعل ترامب قادر على الانتقام من الأسواق في حال عدم فوزه؟ هل نحن أمام نموذج منفرد في إدارة الشأن الاقتصادي نستطيع أن نسميه Trumponomics ؟
سنبدأ من حيث انتهينا، لا يوجد نموذج منفرد نستطيع أن نسميه Trumponomics ولم يخترع الرئيس ترامب أي نموذج اقتصادي استثنائي لأن هذا النموذج الاقتصادي مستنسخ من الرئيس الأربعين للولايات المتحدة (رونالد ريغان) وأطلق عليه (Reaganomics) أو (Voodoo Economy)، وهو يقوم على نموذج اقتصادي يسمى (Supply-side Economics)، وهذا النموذج يعتمد على زيادة المعروض من السلع والخدمات وبأقل الأسعار وجعلها في متناول أكبر شريحة من المستهلكين، ولكن المُلفت في أحد أدوات تنفيذ هذا النموذج هو خفض الضرائب، ففي عهد الرئيس ريغان انتعش الاقتصاد الامريكي وانخفضت معدلات البطالة، وتم تخفيض الضرائب على المواطنين، ولكن الجانب السلبي من المشهد هو ارتفاع الدين العام للولايات المتحدة الأمريكية بما أنذر بعجز في الموازنة، وتحولت الولايات المتحدة في عهده إلى دولة مدينة، واقترن ذلك بزيادة حجم الإنفاق الحكومي بنسبة تصل إلى 2.5% سنوياً معظمها كانت باتجاه الإنفاق العسكري، مما أدى إلى ارتفاع حجم الدين العام والعجز، ولكن في عهده ارتفع الدواجونز بنسبة 147.3% مدفوعاً بالإجراءات الاستثنائية والغير مسبوقة التي قام بها الرئيس ريغان، ولكن النتيجة كانت بدخول الاقتصاد الأمريكي في مرحلة ركود وحدث انهيار الإثنين الأسود في عام 1987، حيث انخفض الداوجونز إلى 22%.
لن يحتاج الأمر لكثير من التفكير حتى ندرك أن ما يقوم به الرئيس ترامب ليس استثنائي وإنما مستنسخ من نموذج Reaganomics، ولن يطول الأمر حتى يؤدي تطبيق هذا النموذج إلى نفس التداعيات، ولكن مع مضاعفة النسب السالبة؛ لأن الاقتصاد الأمريكي توسع كثيراً في حجم الدين العام منذ عهد ريغان وحتى اليوم، وبالتالي فإن أثر التحركات السالبة في سوق الأسهم ستكون أشد وأعمق وأطول أمداً.
اقتصاد الـ Voodoo نموذج فاشل يعتمد على الـ (AS) أو التحفيز الصناعي لأسواق الأسهم، ولكنه يزيد فجوة العجز في الاقتصاد ويسبب تحسن مؤقت ليس إلاّ، ولكن بتبعات سلبية للاقتصاد، وأستطيع أن أشبه مفعول هذه المحفزات بتأثير السكريات على الجسم، حيث تؤدي إلى نشاط مؤقت يليه مرحلة خمول مع آثار ضارة وطويلة الأمد على الجسم.
إن نموذج Reaganomics الذي يتنهجه الرئيس ترامب يحمل جانب أكثر قتامة من وجهة نظري، وهو إقحام الاقتصاد الأمريكي في حرب تجارية غير متوازنة وفي غير وقتها مع الجانب الصيني بما يزيد من عوامل الضغط على العوامل التحفيزية المستخدمة من قِبل الإدارة الأمريكية، وبالتالي الوصول إلى النتائج السلبية هو أمر حتمي. الرئيس ترامب دفع -منذ انتخابه وحتى اللحظة- الداو جونزإلى الارتفاع بحوالي 60% ، فما الذي قدمه سوى المزيد من جرعات التخفيض الضريبي الذي استخدمته الشركات في عمليات الـ Buyback (إعادة شراء الأسهم)، أما انخفاض معدلات البطالة "المؤقت" كان نتيجة طبيعية لهذه الاقتطاعات الضريبية، ومن يقرأ مقالي " ماذا يخفي منحنى فيليبس (AS:PHG) العرضي للأسواق؟ " والذي تم نشره بتاريخ 17-04-2019 سيعلم تماماً أن انخفاض معدلات البطالة بشكل مؤقت هي جزء لهذا النموذج الاقتصادي الفاشل وعالي المخاطر.
الخلاصة:
الرئيس ترامب ونموذج الـ Voodoo يركزان على أداء أسواق الأسهم وبأن أداء أسواق الأسهم الجيد سينعكس إيجاباً على أساسيات الاقتصاد الكلي، ولكن في واقع الأمر هذا التصور غير صحيح؛ لأن تدعيم أساسيات الاقتصاد الكلي وزيادة معدلات الإنفاق الحكومي الموجهة بهدف رفع كفاءة الإنفاق الفردي من خلال ارتفاع معدلات الأجور وجودة التوظيف يشكل ركيزة أساسية وقاعدة لأداء متوازن وينعكس بصورة صحية وصحيحة على أسواق الأسهم، وعليه فإن تهديد ترامب قابل للتنفيذ لأن أدوات وأوامر التحفيز الصادرة منه إلى الـ PPT (والتي أُنشأت في عهد ريغان) ستتوقف، ولن يكون خليفته مستعداً لإقحام نفسه في مغامرات الـ Voodoo، بل سيكون عليه ترميم الفجوات الاقتصادية الخطيرة التي سيخلفها انتهاج هذا النموذج.