واجهت منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك)، في اجتماعها الذي جرى إفتراضياً يوم الإثنين من هذا الأسبوع، عقبة كبيرة. فلقد فشلت المجموعة في التوصل إلى توافق في الآراء بشأن سياسة الإنتاج. وتجتمع المجموعة مرة أخرى اليوم، 3 ديسمبر، للانخراط في المزيد من المناقشات.
وبالإضافة إلى ذلك، تم تأجيل اجتماع المجموعة الأوسع أوبك+، والذي كان من المقرر عقده يوم الثلاثاء، إلى اليوم الخميس كذلك.
لقد تفاعلت أسعار {{8849|النفط الخام}} سلباً مع الأخبار التي تفيد بأن منظمة أوبك لم تتمكن من التوصل إلى اتفاق، عندما صدرت هذه الأخبار يوم الاثنين، لكنها تعافت بحلول يوم أمس الأربعاء، عندما ذكرت تقارير إخبارية أخرى أن مجموعة أوبك+ تقترب من التوصل إلى ذلك الاتفاق.
لا يزال من المرجح وبشكل كبير جداً، أن تتوصل منظمة أوبك ومجموعة أوبك+ إلى اتفاق بشأن حصص إنتاج النفط للأشهر الثلاثة الأولى من عام 2021. وأثناء العمل على التوصل إلى اتفاق، كشفت أحداث الأيام القليلة الماضية أن هنالك إعادة تنظيم كبيرة، تجري داخل كل من المنظمة والمجموعة الأوسع، وهو ما يمكن أن يكون لها آثار كبيرة على سوق النفط لسنوات قادمة.
ما الذي يعيق أوبك و أوبك+؟
يبدو أن الخلافات تتمحور حول مسألتين. الأولى: كيف يمكن لـ أوبك أن تجبر الدول الأعضاء التي قامت بالإفراط في الإنتاج، بالتعويض عن هذا الإنتاج الفائض في المستقبل.
والثانية: ما إذا كان يتعين على أوبك+ تمديد العمل بمستويات الإنتاج الحالية للأشهر الثلاثة الأولى من عام 2021، أو إذا كان ينبغي لها أن تنفذ خطة تدريجية لزيادة الإنتاج خلال تلك الأشهر الثلاثة.
منذ أن تم تأسيس منظمة أوبك، كان عدم الامتثال هو المشكلة المعتادة. وفي الآونة الأخيرة، قادت المملكة العربية السعودية الجهود لمحاولة حل هذه المشكلة. في الأشهر القليلة الماضية، واجهت البلدان التي فشلت في خفض إنتاج النفط بشكل كافٍ ضغوطاً للالتزام بجدول زمني لتخفيض الإنتاج بشكل إضافي، للتعويض عن عدم الامتثال فيما سبق.
ربما يكون هذا الإجراء قد ساعد أسواق النفط على استعادة بعض الثقة في منظمة أوبك ومجموعة أوبك+ خلال الصيف، وذلك بعد اجتماع شهر مارس الكارثي، الذي أدى إلى انهيار أسعار النفط. ولكن الضغط على الأعضاء من أجل الامتثال وإظهار المسؤولية كان ناجحاً بشكل جزئي فقط. فبعض الدول، مثل العراق، ما زالت غير قادرة على الالتزام، أما البلدان الأخرى المنتجة بإفراط، مثل روسيا، فلم تتعرض لأي ضغوط حتى للتفكير في الموضوع.
ووفقاً لـ بلاتس، فإن الإمارات العربية المتحدة ترغب في وضع آليات تعويضية أكثر صرامة، قبل الموافقة على تمديد اتفاق الإنتاج الحالي حتى نهاية الربع الأول من عام 2021. أما بلومبرج، فلقد ذكرت أن هنالك أيضاً خلاف بين المملكة العربية السعودية، التي تريد تمديد العمل باتفاق الإنتاج الحالي حتى مارس 2021، وروسيا، التي ترغب في رفع مستويات الإنتاج تدريجياً بين يناير ومارس.
ما الذي يحدث للإمارات العربية المتحدة؟
على الرغم من التكهنات بأن الإمارات العربية المتحدة تشعر بإحباط متزايد من حصص إنتاج أوبك، وتفكر في الانفصال عن المجموعة، فمن غير المرجح أن تتخذ الإمارات مثل هذه الخطوة الكبرى فعلاً. ربما تكون هذه المعلومات المسربة جزءاً من "لعبة قوة" كبيرة على مسرح الطاقة العالمية.
منذ فترة ليست بقصيرة، تؤكد الإمارات العربية المتحدة استقلالها عن منطقة الخليج، وعلى الأخص في القضايا الدبلوماسية، وتطوير الطاقة النووية. وكانت الإمارات قد انخرطت في جهود دبلوماسية مع الولايات المتحدة ومنظمات دولية، حتى تتمكن من بناء أول مفاعل للطاقة النووية في البلاد والمنطقة.
وكانت الإمارات قد وقعت مؤخراً اتفاقية تاريخية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، ومن المقرر أن تتلقى طائرات مقاتلة متقدمة للغاية من الولايات المتحدة بناءً على هذا التعاون الجديد. لقد بدأ التعاون الاقتصادي بين الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل بالفعل. وبعبارة أخرى، تتخذ الإمارات العربية المتحدة مكانة جريئة لنفسها فيما يتعلق بالقضايا الإقليمية، وهو أمر منطقي نظراً لقوتها الاقتصادية النسبية ومدنها العالمية التي تستضيف الآلاف من المسافرين الأجانب والمهنيين.
وبصفتها داعماً هادئاً، ومفاوضاً بالنيابة عن السياسات السعودية في منظمة أوبك، لعبت الإمارات العربية المتحدة دوراً مؤثراً، وإن كان لا يتلقى المديح المفترض أن يتلقاه، في وضع أول إعلان التعاون Declaration of Cooperation مع روسيا ودول أخرى، الذي أسس لتشكيل مجموعة أوبك+ في عام 2016. في كثير من الأحيان، تقدم الإمارات العربية المتحدة تصويتاً موثوقاً على القرارات التي تفضلها السعودية. وبينما تبقى العلاقة بينهما مهمة، إلا أن الإمارات تبقى عضواً مستقلاً في منظمة أوبك.
يجب أن يُنظر إلى دور الإمارات الجديد والجريء داخل أوبك على أنه أحد نتائج الثقة بالنفس، الذي تتمتع به الدولة بناءً على سياساتها الدبلوماسية الشاملة. وبدلاً من الانشقاق عن أوبك، تنتهز الإمارات ما تعتبره فرصة لاكتساب القوة والنفوذ من خلال القيادة حيث لم يتمكن الآخرون من ذلك، بما فيهم المملكة العربية السعودية.
دعونا نتذكر أن دفع الإمارات داخل أوبك يأتي بعد أيام فقط من إعلان شركة النفط التابعة لها، أدنوك، عن اكتشاف كبير وغير تقليدي للنفط. ودعونا نتذكر أن المجلس الأعلى للبترول في أبو ظبي، قد وافق على خطة أدنوك لإنفاق 122 بليون دولار على شكل نفقات رأسمالية على مدى السنوات الخمس المقبلة. ولنقارن ذلك بشركة النفط الوطنية السعودية، أرامكو (SE:2222)، التي خفضت نفقاتها الرأسمالية، وقامت ببيع سندات دولية ببلايين الدولارات للوفاء بالتزامات توزيع الأرباح.
وكان سهيل المزروعي، وزير النفط الإماراتي، قد حذر المجتمع العالمي مراراً وتكراراً، من أن خفض النفقات الرأسمالية لشركات النفط (الخاصة والمملوكة للدولة) على مدى السنوات الخمس الماضية، سيؤدي إلى نقص النفط في المستقبل. لقد عبرت بعض شركات النفط الكبرى، مثل {{0|بريتيش بيتروليوم}}، عن رأيها بأن الطلب على النفط قد بلغ ذروته وبدأ بالتراجع. ولكن الإمارات العربية المتحدة لا تتبنى هذا الرأي، بل تضع نفسها في مركز الريادة العالمية في صناعة النفط المستقبلية. من خلال تجاهل نظرية ذروة الطلب، والاستمرار في خططها التي تتضمن نفقات رأسمالية ضخمة، يمكن لـ أدنوك أن تقدم نفسها كشركة رائدة في السنوات القادمة.
وفي هذه الأثناء، نقلت تقارير إخبارية خبر مفاده أن وزير النفط السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، قد هدد بالاستقالة من رئاسته المشتركة للجنة الرقابة الوزارية JMMC، بسبب إحباطه من الإفراط المستمر في الإنتاج في دول أخرى. قد يكون هذا مجرد تهديد، لكنه يثير السؤال حول ما إذا كانت المملكة العربية السعودية بحاجة إلى أن تكون في منصب الرئيس المشارك. وفي الوقت نفسه، يُظهر بعض الأعضاء، ولا سيما النجم الصاعد، الإمارات العربية المتحدة، المزيد من الاستقلالية والقوة.
التداعيات على سوق النفط
سيحتاج المشاركون في السوق إلى متابعة التطورات لمعرفة ما إذا كانت الإمارات العربية المتحدة قادرة بالفعل على الاستفادة من هذه الفترة من الضعف النسبي داخل القيادة التقليدية لـ أوبك و أوبك+. ستبقى المملكة العربية السعودية دائماً منتجاً مهماً للنفط بسبب الحجم الهائل لقدرتها الإنتاجية ولصادراتها. وإذا أرادت المملكة العربية السعودية، فيمكنها إغراق السوق بزيادة إنتاجها ليصل إلى 12 مليون برميل يومياً كما فعلت في أبريل، مع العلم أنها في طريقها لرفع طاقتها الإنتاجية إلى 13 مليون برميل يومياً في المستقبل القريب. أما الإمارات، فيبلغ إنتاجها الحالي 2.5 مليون برميل يومياً "فقط"، وتبلغ طاقتها الإنتاجية القصوى 4 ملايين برميل يومياً. وإذا نجحت في رفع طاقتها الإنتاجية إلى 5 ملايين برميل يومياً، فستصبح ثاني أكبر منتج في أوبك، وثالث أكبر منتج في أوبك+ بعد السعودية وروسيا. ومع ذلك، فإن الطاقة الإنتاجية ليست كل شيء في مجموعة يتطلب الأمر فيها بناء تحالفات للوصول إلى إجماع.
ما الذي ستسعى الإمارات وراءه عندما تمتلك المزيد من القوة في أوبك و أوبك+؟
أولاً، يبدو أن الإمارات حريصة على استمرار معدلات الإنتاج المرتفعة، على عكس السعودية التي ترغب في خفض الإنتاج. تريد الإمارات زيادة قدرتها الإنتاجية، ويبدو أنها تريد بيع المزيد من النفط. وبالإضافة إلى ذلك، ومن خلال محطتها الجديدة للطاقة النووية، ستكون الإمارات العربية المتحدة قادرة على تصدير المزيد من النفط الذي تنتجه.
ثانياً، تتمتع الإمارات العربية المتحدة باقتصاد أكثر تنوعاً من أغلب منتجي النفط الآخرين. فعلى الرغم من أن الاقتصاد المحلي قد شهد الصعوبات في الآونة الأخيرة، لا سيما في مجال العقارات، إلا أن اقتصاد دولة الإمارات العربية المتحدة يفتخر بقطاعاته الناجحة في مجالات التمويل والسياحة وخدمات الأعمال والتجارة الدولية العامة.
بالتأكيد، النفط هو أحد مكونات الاقتصاد الإماراتي المهمة، لكن هذه الدولة لا تعتمد على الأسعار المرتفعة للوقود مثل المملكة العربية السعودية. وبالنسبة لحجمها، فإن اقتصاد الإمارات أقوى من اقتصاد روسيا. بكلمات أخرى، عندما ستحظى الإمارات العربية المتحدة بالمزيد من القوة في منظمة أوبك، فإنها ستتمتع بالصلاحيات، بحرية أكبر، في اتخاذ قرارات حكيمة وطويلة الأجل داخل أوبك+، دون القلق بشأن المستوى الذي ستكون عنده أسعار النفط غداً. قد يعني هذا أن أسواق النفط ستشهد جهوداً أقل من طرف أوبك+ لرفع أسعار النفط بشكل مستعجل.