العملات الرقمية تطيح بالبنوك المركزية

من المؤكد أن العالم على موعد مع تغيرات جذرية ستُغير كثيراً من مجريات الاقتصاد، فمنذ 11 عام اخترع ساتوشى ناكاموتو «البيتكوين» كأول عملة رقمية لم تصدر عن بنك مركزي ويتم تداولها إلكترونياً، وعلى الرغم من الانتقادات الكبيرة التي شهدتها العملات الرقمية عقب إطلاق «البيتكوين»، إلا أنه في السنوات الأخيرة وصل عدد العملات الرقمية لنحو 7000 عملة رقمية، وأعرب أكثر من 150 بنكاً مركزياً في الآونة الأخيرة عن رغبتها في إصدار عملات رقمية، الأمر الذي يُعيد رسم مستقبل العملات وأساليب الدفع عالمياً  

150 بنكاً مركزياً تستعد لإصدار عملات رقمية رسمية وتقرير دولي: انتشارها قد يزيح الدولار من صدارة الاحتياطيات الدولية  

تعريف العملات الرقمية  

تعد العملات الرقمية عملات افتراضية يتم تداولها بشكل إلكتروني فقط، ولا يمكن طباعتها مثل النقود الورقية والمعدنية، كما يمكن شراء أي سلعة أو خدمة من خلالها مثلها مثل الأموال التقليدية، وأهم ما يميز العملات الرقمية أنها عملات يتم التعامل بها مباشرة بين شخص وآخر دون الحاجة لوسيط مثل الحكومات والبنوك  

مزايا ومخاطر  

تتميز العملات الرقمية برسوم تحويل منخفضة جداً مقارنة بالطرق الأخرى لتحويل الأموال، كما يتاح استخدام العملة الرقمية لكل متصل بالإنترنت بشكل مباشر وسريع، كما أنها تُيسر من حركة التجارة العالمية خاصة أنها تتيح للأفراد تحويل الأموال عبر الحدود دون التأثر بمضاعفات تقلبات أسعار الصرف.  

وعلى الرغم من مزايا العملات الرقمية المتعددة إلا أنها تحتوي على مخاطر كبيرة، تبرز في إتمام كل المعاملات المالية إلكترونياً التي قد يتم توجيهها للأعمال غير المشروعة، خاصة في الدول النامية التي لم تتوسع في استخدام نظام الـBIG DATA.  

ويرى بعض الاقتصاديين أنه قد يصعب الثقة في نظام إلكتروني يتم من خلاله تداول الأموال وحفظ مدخرات الأفراد، بينما قد يتعرض النظام إلى اختراق إلكتروني، لذلك تطلب الصين من شركات الدفع الإلكتروني أن يربطوا العملات الرقمية باحتياطات مالية بنسبة 100% يتم وضعها في البنك المركزي التابع للدولة، والتي قد تُعد فكرة جيدة ستحمي أموال الأفراد.  

وقد يكون للعملة الرقمية تأثير سلبي على البنوك لأن الصفة الأساسية للعملات الرقمية تكمن في إلغاء دور الوسيط المالي وتتم المعاملات المالية بين شخص وآخر بشكل مباشر، مما قد يحد من المعاملات المالية التي ستتم من خلال القطاع المصرفي، خاصة إن لم تتمكن البنوك من تقديم خدمات إلكترونية لتداول العملات التقليدية تواكب الأدوار التي تلعبها العملات الرقمية وتتمكن من منافستها.  

لماذا نحتاج لعملات رقمية رسمية؟  

على الرغم من إبداء أوجستين كارستينس، المدير العام لبنك التسويات، وهو البنك المركزي للبنوك المركزية، عدم ترحيبه بإصدار البنوك المركزية لعملات رقمية، إلا أن قرار موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» بإصدار عملته الرقمية التي تدعى «ديم دولار» قلب الموازين العالمية، وأجبر «كارستينس» على مناشدة البنوك المركزية بإصدار عملات رقمية رسمية، حيث يرى أنه على الدولة اللحاق بالركب العالمي، وإصدار بديل رسمي وآمن وأقل مخاطرة عن العملات الرقمية غير الرسمية والتي تخرج عن رقابة الدولة، ولذلك أعلن ١٥٠ بنكاً مركزياً من مختلف دول العالم عن اعتزامهم إطلاق عملات رقمية رسمية، أبرزها كان البنك الفيدرالي الأمريكي، والبنك المركزي بالسويد. وعبرت كريستين لاجارد، مدير عام صندوق النقد الدولي السابق، أنه على البنوك المركزية أن تعمل بشكل جدي على إصدار عملات رقمية رسمية، لأنها تُعد تجربة جديدة لا بد أن يتم التعامل معها بحذر شديد.  

وترى «لاجارد» أن إصدار البنك المركزي عملات رقمية سيدعم الدول في تحقيق أهدافها العامة مثل الشمول المالي، والأمن وحماية المستهلك، موضحة أن تعامل غالبية الأفراد مع النظم التكنولوجية سيُتيح الفرصة أمام العملات الرقمية للانتشار سريعاً.  

المضاربة في العملات الرقمية  

يبدو الأمر غريباً أن عملة رقمية ليس لها وجود مادى يتم التعامل عليها كسلعة وتدخل حيز المضاربة بين الأفراد، إلا أن الواقع كان له رأى آخر، حيث تمكنت العملات الرقمية من تحقيق مكاسب قوية رفعت من قيمتها السوقية خلال عام 2018 من 120 مليار دولار إلى 1523.3 مليار دولار، ورغم المكاسب الكبيرة التي حظيت بها العملات الرقمية، إلا أن المضاربة بها شديدة الخطورة، وذلك لأن العملات الرقمية تخضع لقوانين العرض والطلب بشدة، لأنها ليست سلعة أساسية ولم يتم ربطها بأصول أو قيم اقتصادية حتى الآن، لذلك تتأثر القيمة السوقية سريعاً بالعرض والطلب على هذه العملة، فدائماً ما تجدها تتأثر صعوداً وهبوطاً وغير مستقرة تماماً.  

الدولار V.S العملات الرقمية  

أوضح تقرير مفصل أعدته صحيفة «وول ستريت جورنال» أن توجه كثير من دول العالم لإصدار عملة رقمية سيهز من ثبات الدولار كاحتياطي للبنوك المركزية، وقد يشعل حرب عملات جديدة بين العملات الرقمية والدولار.  

وأشار التقرير إلى أن تراجع حصة صادرات الولايات المتحدة الأمريكية من إجمالي الصادرات العالمية إلى 8.8% بعدما كانت 25% منذ بداية العام الحالي سيدعم موقف استخدام العملات الرقمية أمام الدولار، ولا داعي للتعجب عندما يطالب محافظ البنك المركزي بإنجلترا إلى التخلص من الاعتماد على الدولار والتعامل بدلاً منه بعملة رقمية لتكون العملة الاحتياطية عالمياً، كما طالب بإنشاء منظومة مالية متعددة الأقطاب عن طريق عملة احتياطية رقمية مدعومة من البنوك المركزية العالمية وفقاً لما ذكره التقرير الصادر عن «وول ستريت جورنال».  

هل ستحقق فكرة ربط العملات الرقمية بالبنوك المركزية نجاح أكبر ام نجاحها في عدم الربط