ترى ماذا سيحدث للمستثمرين في الأسواق العالمية عندما تتوقف أوركسترا البنوك المركزية عن العزف؟، ولماذا تبقى أسعار الأسهم عند أعلى تقييماتها تاريخياً، فيما تعكس أسعار السندات أدنى معدلات فائدة في التاريخ، بينما يصطف البعض لتحمل المزيد من المخاطر الكارثية في السوق؟.. بشكل رئيس، فإن هذا السلوك الغريب تأثر بالسياسات النقدية الجذرية التي اتخذتها الحكومات المتقدمة منذ نهاية الأزمة المالية العالمية، والتي تسارعت بعد أن تسببت الجائحة في زعزعة الأسواق وتراجع النشاط الاقتصادي.
اللافت، أن السياسات النقدية التوسعية دفعت بتقييمات قياسية للأوراق المالية، حيث تم إغراء المستثمرين بزيادة وزن محافظهم في الأسهم، والمحصلة هي أن المخاطر باتت عند أعلى المستويات في التاريخ، فمثلا، تبلغ القيمة السوقية للأسهم الأمريكية 280 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهي أعلى كثيراً من الذروة السابقة البالغة 190 في المائة قبل انهيار فقاعة الإنترنت، بينما بلغت مخصصات الأسهم الأسرية أعلى مستوياتها على الإطلاق بنسبة 50 في المائة.
بالرغم من أن ارتفاع التضخم أو زيادة الفائدة، أو وقوع بعض الأحداث المفاجئة قد يؤدي إلى هبوط كبير في سوقي الأسهم والسندات بشكل لا يمكن توقعه، إلا أن السؤال هو: ماذا سيحدث عندما تبدأ عاصفة الخروج من السوق؟
وعلى ما يبدو، فإن السلطات المالية لن تسمح أبداً بحدوث تراجع مستمر في أسعار الأصول، فقد تم تصميم السياسات النقدية للعالم المتقدم بهدف تكوين قناعات شعبية بأن المخاطر محدودة وأن أسعار الأصول، وأداء الاقتصاد، ستحميهم الحكومة إلى مالا نهاية.
وبسبب هذا الدعم الاستثنائي لأسعار الأصول، سجلت استراتيجيات الاستثمار أرباحاً كبيرة في السنوات الأخيرة ، وجنت أموالاً، ومن المرجح أن تستمر في جني الأموال، وتمثلت الاستراتيجية الأكثر نجاحاً في شراء الأصول الخطرة، لذلك، لا عجب في ظل هذه الظروف المصطنعة أن ينتقل المستثمرون إلى منحنى المخاطرة، والحق، أن معظم الذين يزعمون أنهم على استعداد لتحمل هذه المخاطر لا يعنون ذلك في الواقع، إذ يخشون فقدان العوائد الأعلى التي حققها المستثمرون الآخرون.
ولهذا السبب، باع مسؤولون كبار في الشركات مثل جيف بيزوس شركة أمازون دوت كوم (NASDAQ:AMZN)، وإيلون ماسك شركة تسلا (NASDAQ:TSLA)، وعائلة والتون ومارك زوكربيرغ Meta Platforms Inc (NASDAQ:FB)، رقماً قياسياً من الأسهم بلغ 37% من إجمالي المبيعات التي وصلت إلى 69 مليار دولار من الأسهم في عام 2021، إذ تشجع الزيادات الضريبية المرتقبة في يناير وأسعار الأسهم المرتفعة الكثيرين على جني الأرباح، ومن المرجح أن يزداد البيع أكثر في شهر ديسمبر النشطً عادة في المبيعات، وستكون التغييرات المحتملة في معدل الضريبة على المستوى الفيدرالي الأمريكي حافزًا لبعض البائعين.