قد يغيب عن واقع الكثير من المتداولين والمستثمرين الجوانب الكثيرة لأسواق البورصة العالمية وجل اهتمامهم يكون منصب على بعض الأدوات المالية ويغفلون عن الفرص العديدة الأخرى وإذا ما تكلمنا عن الغاز الطبيعي فالكلام يطول لكن سنركز في السطور القادمة على موضوع هام ومحوري وفي صلب التأثير على أسعار الغاز الطبيعي عالميا ألا وهو ملف نورد ستريم 2 الذي يغفل عن معرفته ومعرفة تفاصيله وتداعياته وتأثيراته الجيوسياسية شريحة كبيرة من المتداولين والمستثمرين وبالتالي غياب معرفة انعكاس ذلك على أسعار الغاز والفرص الاستثمارية والأرباح من المضاربة إذا علمت عزيزي القارئ أن الأسعار في 2021 شهدت أرقاما قياسية بالارتفاعات وهنا تكون قد اضعت على نفسك العديد من الفرص، عموما لن نطيل في المقدمة وسندخل بتفاصيل الموضوع ومدى أهمية ملف نورد ستريم 2 وتداعياته ومن ثم سيكون سنختم المقال بنظرة وتحليل فني للغاز
نورد ستريم اسم قد سمعناه مرارا لكن الكثير يجهل تفاصيله وهو خط أنابيب لتصدير الغاز يمتد من روسيا إلى ألمانيا عبر بحر البلطيق حيث يوفر عبره إمكانية الوصول المباشر إلى المستهلكين في أوروبا ووصول إمدادات الغاز الروسي إلى الاتحاد الأوروبي بسهولة أكبر وهو ملك لشركة غازبروم الروسية والتي تعد من الشركات العملاقة على مستوى العالم لاستخراج الغاز الطبيعي ويقع مقرها الرئيسي في مدينة سانت بطرسبرغ وتعد أيضا أكبر مورد للغاز الطبيعي لأوروبا كاملة وأيضا أكبر مزود غاز لتركيا التي يطلق على خط انابيبها "ترك ستريم" والذي يمتد عبر البحر الأسود وخط آخر يسمى "قوة سيبيريا" يمتد الى الصين وغيرها من المشاريع ، تمتلك شركة غازبروم الروسية خط نورد ستريم الأول والذي افتتح عام 2011 والعمل ساري به لكن خط نورد ستريم 2 اكتمل ولم يعمل لغاية الآن وسنأتي إليكم في سياق هذا المقال بالتفاصيل.
بعد الحديث المختصر عن ضخامة شركة غازبروم علمنا أن لديها سلسلتين من الخطوط نورد ستريم 1 والذي يبلغ طوله 1224 كيلومتر ونورد ستريم 2 الذي يبلغ طوله 1200 كيلومتر وتبلغ السعة السنوية 55 مليار متر مكعب من الغاز وتعد أطول خطوط ممتدة تحت البحر في العالم وهذا الأمر يجعل روسيا أكبر مورد للغاز لأوروبا وهنا تكمن المشاكل بعد إنجاز خط نورد ستريم 2 الذي أصبح أحد أكثر خطوط الأنابيب (SE:2360) إثارة للجدل في العالم بسبب اتهام الدول لروسيا بأنها تستخدمه كسلاح جيوسياسي حيث أصبحت إمدادات الطاقة قضية جيوسياسية شديدة الحساسية بين أوروبا والولايات المتحدة وروسيا نظرا لاعتماد أوروبا التاريخي على موسكو بهذا الموضوع وكلنا يعلم مدى تداخل وتوتر العلاقات بين دول حلف الناتو وروسيا والعلاقات شبه المنهارة بينهم على مدار العقد الماضي بسبب العديد من القضايا والملفات وبسبب ذلك دعت الولايات المتحدة منذ فترة طويلة الدول الأوروبية إلى تنويع وارداتها من الغاز.
وحذرت من أن ذلك يترك القارة عرضة لنفوذ الكرملين والسبب في ذلك التحذير المتكرر هي المعلومة التالية ... الكرملين الروسي يمتلك 38 % من شركة جازبروم (MCX:GAZP) العملاقة وحققت أسعار الغاز القياسية لعام 2021 صافي دخل قياسي للشركة التي تمتلك نورد ستريم تقدر بأكثر 27 مليار دولار لعام 2021 وساعد على حصول هذه المكاسب هو رفض شركة غازبروم الروسية المالكة لخطوط الغاز بيع كميات إضافية إلى أوروبا بخلاف تلك التي تغطيها العقود طويلة الأجل وتركت منشآت التخزين الخاصة بها في القارة تنخفض إلى مستويات منخفضة مع بدء الشتاء بشكل واضح الأمر الذي رفع أسعار الغاز الى مستويات غير مسبوقة باعتباره مصدر للطاقة يستخدم للتدفئة وإنتاج الطاقة الكهربائية وغيرها من الاستخدامات لهذا السبب تحارب الولايات المتحدة هذه الخطوط وتلوح بالعقوبات وتحذر الدول الأوربية من سيطرة ونفوذ روسيا عليهم من خلالها وأنها تتعمد بهذا الأمر للضغط على الدول المستهلكة من أجل الموافقة على بدء العمل بنورد ستريم 2 وفي ذات الوقت استفادتها من الأسعار المرتفعة ...
وقد أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 30 ديسمبر الماضي لأول مرة أن الامتداد الثاني لخط الأنابيب الممتد بطول 1200 كيلومتر مليء بالغاز وبمجرد الموافقة عليه سيكون له تأثير فوري على أزمة الطاقة في أوروبا ولطالما عارضت وانتقدت الولايات المتحدة وبريطانيا وبولندا وأوكرانيا وغيرها من الدول خط الأنابيب (نورد ستريم 2) الذي بلغت كلفته 11 مليار دولار بسبب إنه سيزيد من اعتماد أوروبا على إمدادات الطاقة الروسية. والجدير بالذكر أن روسيا هي أكبر مصدر للغاز في العالم وان اعتماد بدء العمل بنورد ستريم 2 يتطلب موافقة المائية التي تخضع لضغوط شديدة بهذا الخصوص.
تحشد روسيا أكثر من 100 ألف جندي على الحدود الأوكرانية وتقارير المخابرات الامريكية تشير إلى أن روسيا تنوي غزو واكتساح أوكرانيا كما فعلت بشبة جزيرة القرم عام 2014 لتنتفض بعد التقرير الدول وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية وتهدد بعقوبات اقتصادية على روسيا ستكون قاصمة وشاملة وستشمل خط نورد ستريم 2 وتشعر بعض الدول الأوروبية بالقلق من أن روسيا قد ترد على الأرجح وتقطع إمدادات الغاز المهمة عن قارة تعاني بالفعل من ارتفاع قياسي في أسعار الطاقة ونقص لا يخفى عن أحد في الإمدادات.
وعلى الرغم من بدأ أسطول من ناقلات الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة في الوصول إلى الشواطئ الأوروبية إلا أن مشكلة الغاز في أوروبا قد لا تختفي في عام 2022 وعلى الرغم من تراجع أسعار الغاز بعد بدء وصول الدعم الأمريكي إلا أن الوضع قد يزداد تعقيد إذا ما توغلت روسيا عسكريا في الأراضي الأوكرانية وأن القضايا الجيوسياسية والخلافات مع روسيا لا سيما حول خط أنابيب نورد ستريم 2 ستزيد من المجال أمام روسيا للحد من الإمدادات إلى أوروبا في النصف الأول من العام الحالي على أقل تقدير وربما لفترة أطول
قبل الانتقال إلى ختام المقال هذا بالنظرة الفنية على أسعار الغاز قد يسأل سائل انا كمتداول ما شأني بكل هذه الأمور الجيوسياسية والتوترات بين الدول سياسيا وعسكريا والجواب بكل بساطة لكل من يخطر بباله هذا التساؤل وهو ان الغاز الطبيعي أحد مصادر الطاقة العالمية وأي نزاع او توترات جيوسياسية أو حروب تؤثر بشكل مباشر على الحركة السعرية له لذلك إذا كنت متداول او مستثمر يبتغي النجاح ويسعى له عليك ان تتابع كل مجريات هذه الأمور عن كثب وأن تأخذ كل صغيرة وكبيرة على محمل الجد.