تناغمت تحركات الأسواق المالية خلال الأسبوع الجاري مع تغير المشاهد السياسية على الساحة العالمية والذي كان آخرها مشهد قاسي بالتدخل العسكري الروسي في شرق أوكرانيا ليضع العالم في موقف لا يحسد عليه وفي وضع خطر للغاية قد يؤدي فيه اتخاذ أي قرار غير مدروس إلى جذب كافة الأطراف إلى دائرة مفرغة من الصراعات غير المنتهية.
كما أدت حالة العزوف عن المخاطرة بعد الهجوم العسكري لروسيا على أوكرانيا إلى تكبد الأسواق المالية العالمية خسائر فادحة مع وجود حالة من العزوف عن المخاطرة ولجوء المستثمرين إلى الملاذات الآمنة ولا سيما الذهب الذي سجل أعلى مستوياته منذ أغسطس 2020 قرابة المستوى 1974 دولار للأونصة، ليجري تداوله حاليًا قرابة المستوى 1913 دولار للأونصة.
ومن المتوقع أن تؤدي التوترات الحالية إلى المزيد من الضغوط على الأصول ذات المخاطرة مثل الأسهم والمؤشرات الرئيسية، وارتفاع أسعار المعادن مثل الذهب كونه ملاذ آمن والبلاديوم حيث تعد روسيا من أكبر الدول المنتجة في العالم، إضافة إلى ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي الذي يشكل 38% من الطاقة التي تعتمد عليها أوروبا، كما هبط مؤشر الداو جونز بنحو 800 نقطة أساسية قبل التعافي الحالي.
يلاحظ أنه عندما تم فرض العقوبات على روسيا في نهاية 2014 هبط مؤشر RSX VanEck Russia ETF، إلى مستويات الـ 12 ولكن بعد تلك الفترة ارتفع المؤشر بشكل قوي جدًا وصولًا إلى المستوى 33، ولكن في الوقت الحالي هبط المؤشر بنسبة 19% بعد الهجمات الروسية ولا يزال متراجعًا بنسبة 28% منذ بداية العام ويستقر حاليًا عند نفس المستويات التي ارتفع منها ما بعد 2015 وفي حال هدأت الأوضاع فمن المتوقع أن نشهد تعافي للأسواق في روسيا.
كما هبط الروبل الروسي على نحو حاد أمام الدولار الأمريكي بنحو 18% وصولًا إلى المستوى 90 ليجري تداوله حاليًا عند 83.44 ولكن بالنظر إلى الاحتياطي الأجنبي لدى روسيا سنلاحظ استقراره عند أعلى مستوياته على الإطلاق قرابة المستوى 630 مليار دولار مقارنة بمستوياته في 2015 قرابة 275 مليار دولار مما يعني أن روسيا قادرة على توفير احتياجاتها الاستراتيجية لمدة 25 شهر مما قد يضغط على الغرب للجلوس على طاولة الحوار بدلًا من التصعيد خاصة بعد تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن التي أشار فيها إلى أنه الولايات المتحدة لن تتدخل في الصراع العسكري في أوكرانيا ما لم يتم التوسع في الهجمات العسكرية بأكثر من ذلك.
أدت تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن بعدم التدخل العسكري لمواجهة الجيش الروسي في أوكرانيا إلى ظهور بصيص من الأمل حتى وإن كان ضعيف لعودة الأطراف على طاولة الحواء للسماع إلى مطالب روسيا الأمنية والتي قد تشترط عدم ضمن أوكرانيا إلى حلف الناتو وعدم تسليح أوكرانيا لأنها ستشكل تهديد أمني لروسيا.
كما قال المستشار الألماني بأنه لا يجب إدراج عزل روسيا عن نظام دفع المال العالمي "سويفت"في الحزمة الثانية من العقوبات وأكد على ذلك وزير الدفاع الفرنسي بأنه ذلك الخيار يجب أن يكون الخيار الأخير، في حين عارض وزير الدفاع البريطاني ذلك مناشدًا بضرورة اتخاذ هذا القرار على الفور، الأمر الذي يشير إلى أن ردة فعل الغرب لا تزال تحوم حول فرض المزيد من العقوبات وليس الخيار العسكري والذي يعد السيناريو الأسوأ في حال اللجوء إليه.
من ناحية أخرى، يتخذ الغرب نهج حذر تجاه التعامل مع روسيا لأن الانخراط في مواجهات عسكرية سيؤجج الموقف ويضع احتمالات اللجوء للأسلحة النووية في الأفق، ولهذا سيكون خيار فرض المزيد من العقوبات الاقتصادية هو الخيار الأفضل في الوقت الحالي.
على صعيد آخر، من المتوقع أن تشهد الأسواق المالية المزيد من التقلبات السعرية خاصة مع استقرار مؤشر الـ VIX عند أعلى مستوياته عند 37.80 ولكن مع اكتفاء الغرب والولايات المتحدة الأمريكية بفرض العقوبات أدى إلى هدوء الأسواق ليستقر المؤشر حاليًا عند 30.95 مما قد يدعم تعافي الأسواق.
هذا، ولا تزال النظرة الإيجابية للذهب قائمة مع استقرار الأسعار أعلى المستوى 1880 دولارًا باستهداف مستويات الـ 1950 مرة أخرى، وتتحول للبيع في حال إغلاق أسبوعي فقط أسفل المستوى 1880 دولارًا.