المستويات القياسية التي وصلت أسعار الطاقة خلال سنة 2022 غيرت النظرة التقليدية للأسواق، وجعلت حالة عدم التأكد هي الحالة المسيطرة لدرجة أن المخاطر التقليدية لا تقارن بما تواجهه السوق اليوم من مخاطر متنوعة.
الظروف المتغيرة، خاصة التحولات الجيوسياسية جعلت الجميع ينظر للطرف المقابل، وهي الدول المنتجة وقراراتها في قطاع الطاقة، وفي هذا المجال يمكن حصر مجموعة من الأسباب تجعل تراجع الأسعار خلال المدى القريب والمتوسط أمرا بعيد المنال:
- التوترات العسكرية والجيوسياسية دفعت سوق النفط والغاز إلى تقلبات لم يعهدها السوق من قبل، فمن جهة استمرار الحرب في اكرانيا وعدم وجود أفق لنهايتها يجعل صادرات روسيا من النفط والغاز محدد أساسي لاستقرار السوق.
- احتمال وقف الغاز المتدفق إلى أوروبا بسبب استمرار الغرب في فرض عقوبات على روسيا، الأمر الذي يجعل روسيا في موقف قوي لتبرير أي توقف لتدفق الغاز وهذا ما يهدد أمن الطاقة في القارة الأوروبية.
- وجود توترات سياسية أخرى في مناطق أخرى قد تأثر على تدفق الغاز إلى القارة الأوروبية، ونخص بالذكر تدفق الغاز الجزائري إلى أوروبا عبر إسبانيا، فالظاهر أن السيناريو الروسي في تخفيض الغاز المتدفق عبر أنبوب نورد ستريم قد يتكرر بين الجزائر وأسبانيا، وإذا حدث ذلك تكون أسبانيا والقارة الأوروبية أمام مشكلة عويصة في كيفية تعويض أي نقص محتمل.
- ضعف البنية التحتية لإنتاج ونقل الغاز من مناطق الإنتاج وأغلبها في الجنوب إلى مناطق الطلب والاستهلاك وأغلبها في الشمال، كما أن خطط الاستثمار في هذا الشأن غير واضحة، وهذا يمثل عامل مهم لدفع الأسعار للارتفاع.
- عدم كفاية الطاقة من المصادر غير التقليدية حيث نلاحظ العديد من الدول الأوروبية قد أصدرت قرارات لتشغيل المحطات النووية، وكذلك إعادة الفحم إلى مزيج الطاقة، وتخلت عن فكرة تقليل الاعتماد عن مصادر الطاقة الأحفورية الملوثة للبيئة، كل هذا لدعم أمن الطاقة لديها.
- تركز أزمة الطاقة وبالتحديد الغاز في القارة الأوروبية، حيث تعرف هذه المنطقة جغرافيا بأنها أكثر المناطق برودة في الشتاء، ويزيد الطلب على الغاز للتدفئة. ومع عدم وضوح الرؤية بشأن نهاية الحرب في شرق أوروبا، نجد الجميع يستعد لمواجهة الشتاء القادم من خلال السعي لتأمين الإمدادات الكافية من الغاز بعيدا عن التنسيق الأوروبي المعهود في المسائل المشتركة.
- العلاقة الوطيدة بين النفط والغاز فأسعار النفط تحلق فوق 100 دولار لعدة أسباب أهمها أن الطلب على الغاز مرتفع جدا وكل المؤشرات توحي بأن السوق سيبقى على هذه الحال على الأقل إلى نهاية سنة 2022.