لا تتورطوا في مقاتلة الدولار العظيم.. هذه نصيحتي الأهم في مشهد سريالي معقد ينتظم الأسواق المضطربة، فإذا كان الصعود القوي للدولار نتيجة مباشرة لرفع أسعار الفائدة، فإن ارتقاؤه خلف حلقة مفرغة من العذابات من بينها رفع تكلفة واردات الغذاء، وتعميق الفقر في العالم؛ وتأجيج التخلف عن سداد الديون، وإسقاط حكومة سريلانكا؛ وتكدس خسائر مستثمري الأسهم والسندات في كل مكان.
والحقيقة، أن الدولار يلامس منذ منتصف عام 2021 أعلى مستوى له على الإطلاق، فقد ارتفع 15 في المائة مقابل سلة من العملات الرئيسية، ومع إصرار الاحتياطي الفيدرالي على مواصلة رفع أسعار الفائدة لقمع التضخم، حتى لو كان ذلك يعني إغراق الولايات المتحدة والاقتصادات العالمية في الركود، فليس هناك الكثير من الخيارات للحد من ارتفاع العملة الخضراء.
كل هذا يذكرنا قليلاً بحملة مكافحة التضخم التي قادها بول فولكر عبر بنك الاحتياطي الفيدرالي أوائل الثمانينيات، وهذا هو سبب تزايد الأحاديث حول إمكانية إعادة اتفاقية بلازا الموقعة في سبتمبر 1985 بين فرنسا، وألمانيا الغربية، واليابان، والولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، لكبح جماح الدولار بشكل مصطنع أمام الين الياباني والمارك الألماني من خلال التدخل في أسواق صرف العملات، وقد تبدو صفقة مماثلة وكأنها فرصة في الوقت الحالي، ولكن مع بعض مقاييس السوق التي تشير إلى أن الدولار يمكن أن يتسلق بسهولة نفس المكاسب التي من شأنها أن تزعج النظام المالي العالمي وتسبب كل أنواع الألم الإضافي، فإنه من المحتمل أن تكون مجرد استحضار للماضي قبل أن يسخن الحديث.
في الوقت الراهن، لا توجد كريبتونيت، أو فكرة خيالية، لتفجير قوة الدولار على الفور، فقد أعاق تباطؤ النمو الأوروبي والصيني، والحرب في أوكرانيا كل شيء، ببساطة، لا يوجد بديل للدولار العظيم بغض النظر عن المكان الذي تنظر إليه، فهو يطيح بكل شيء، الاقتصادات، والعملات الأخرى، وأرباح الشركات، ولا شك أن صعوده بلا هوادة محسوس في الحياة اليومية حول العالم، لأنه مادة التشحيم للتجارة العالمية، إذ يتم تسعير 40 في المائة تقريبًا من 28.5 تريليون دولار في التجارة العالمية السنوية بالدولار، وهذا الصعود يهدد بخلق حلقة عذاب للاقتصاد العالمي.
الواقع، أن لدينا الآن مخاوف حقيقية من الركود تدعم ركوب الدولار للسوق، ونعتقد أن الطلب على الدولار سيظل حارًا لسبب بسيط، وهو أنه عندما تصبح الأسواق العالمية مجنونة، فإن المستثمرون يبحثون عن ملاذ آمن، وهذا الضمان يتم تحقيقه الآن عبر الدولار الأمريكي بشكل أساسي، مستفيداً من حجم وقوة الاقتصاد الأمريكي التي لا مثيل لها، كما أن سندات الخزانة الأمريكية من أكثر الطرق أمانًا لتخزين الأموال، ويشكل الدولار نصيب الأسد من احتياطيات النقد الأجنبي.
ربما لا يمثل العمل المنسق لخفض قيمة الدولار ودعم عملات مجموعة العشرين أولوية كبيرة في هذه المرحلة، ومع ذلك، فإن العديد من عملات تلك الاقتصادات الكبيرة تبكي، فبالإضافة إلى انخفاض اليورو، هبط الين الياباني إلى أدنى مستوى في 24 عامًا، وبالنسبة للعديد من الأسواق الناشئة، فإن الضرر أسوأ، فقد انحدرت الروبية الهندية والبيزو التشيلي والروبية السريلانكية إلى مستويات منخفضة قياسية هذا العام، على الرغم من الجهود التي تبذلها بعض البنوك المركزية لمحاولة إبطاء الانخفاض، فالسلطة النقدية في هونج كونج اشترت الدولارات المحلية بوتيرة قياسية للدفاع عن ربط العملة بالمدينة، بينما بدأ البنك المركزي التشيلي تدخلاً بقيمة 25 مليار دولار بعد أن غرق البيزو بأكثر من 20 في المائة في خمسة أسابيع، وليس هناك من خيارات كبيرة يمكن أن تفعلها البنوك المركزية في الأسواق الناشئة.
يعزز الدولار القوي أرباح منتجي النفط ومصدري المواد الخام، والشركات الدولية التي تحتجز جزءًا كبيرًا من أرباحها في الولايات المتحدة، وهو أيضًا نعمة للسائحين الأمريكيين حيث يساعد في دعم ميزانيتهم، لكن الدولار القوي يضر بأي شخص آخر تقريبًا، وعلى سبيل المثال، فقد تلقت شركات التقنية العملاقة، التي تعيد جزءًا من أرباحها العالمية إلى الولايات المتحدة ضربة قوية، مثل مايكروسوفت، ونصيحتنا لمن يتطلع إلى تحدي الدولار، هي: لا تهتم، إلا أنه عندما يكون المستثمرون مستعدون لتبني الأصول عالية المخاطر مرة أخرى، فإننا نتوقع تحولاً في سعر الدولار، وقد لا يحدث هذا حتى يقتنع السوق بأن الاحتياطي الفيدرالي قد غير مساره.