تصدر انهيار الجنيه المصري عناوين الأخبار، حيث انخفض بأكثر من 13% مسجلاً مستوى منخفض جديد دون 32 مقابل الدولار الأمريكي خلال يوم الأربعاء مع انتقال البنك المركزي إلى سعر صرف أكثر مرونة بموجب شروط حزمة الدعم المالي لصندوق النقد الدولي.
وأثار انخفاض الجنيه تكهنات بشأن المدى الذي قد تنخفض فيه العملة في نهاية المطاف، حيث يأمل بعض المحللين على الأقل عودة بعض المستثمرين الأجانب إلى السوق المصرية ويبدأ المصريون العاملون في الخارج في إرسال المزيد من مدخراتهم إلى أرض الوطن. فما هي أبعاد تلك الأزمة التي يعاني المصريين وحكومتهم، هذا ما سنتعرف عليه في هذا المقال.
مصر تلجأ لصندوق النقد الدولي
لجأت مصر إلى صندوق النقد الدولي طلباً للمساعدة بعد أن أدت الحرب الروسية في أوكرانيا إلى ارتفاع فواتير القمح والنفط، بالتزامن مع توجيه تلك الحرب ضربة للسياحة من اثنين من أكبر أسواقها -أوكرانيا وروسيا- المصدر الرئيسي للعملة الصعبة. ومنذ بداية تلك الأزمة انخفضت العملة المصرية بنسبة تراكمية 51% مقابل الدولار منذ مارس 2022، مع انخفاضات حادة في أيام واحدة تليها حركة أكثر مرونة منذ الأسبوع الماضي.
وفي خضم الأزمة، قالت مصر إنها ستتحول إلى سعر صرف "مرن بشكل دائم" عندما توصلت إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي بشأن حزمة دعم مالي بقيمة ثلاث مليارات دولار في شهر أكتوبر الماضي. وفي تقرير مقدم إلى صندوق النقد الدولي نشره الصندوق يوم الثلاثاء الماضي، قالت الحكومة إن البنك المركزي المصري قد يتدخل أحياناً في أوقات التقلب المفرط في أسعار الصرف، لكن لن يكون هناك استخدام لصافي الأصول الأجنبية للبنوك لتحقيق الاستقرار في العملة.
وتعليقاً على ذلك، قال بعض المحللين إن من المؤشرات الرئيسية التي يجب البحث عنها هي استخدام المستثمرون والأسر الدولار لشراء الجنيه المصري بمعدلاته المنخفضة الحالية، مما يشير إلى أنهم يعتقدون أن هبوط العملة ربما وصل إلى منتهاه، ولكن يكون هناك هبوط آخر.
وتلقت مصر الدفعة الثانية من اتفاقية قرض بقيمة 3 مليارات دولار أمريكي (89.3 مليار جنيه مصري) مع صندوق النقد الدولي بنهاية مارس 2023. ويقدر القسط بنحو 347 مليون دولار أمريكي (10.3 مليار جنيه مصري).
ووافق صندوق النقد الدولي في البداية على البرنامج في إطار تسهيل الصندوق الموسع (EFF) من أجل التخفيف من بعض الأضرار الاقتصادية التي سببتها الحرب الأوكرانية الروسية. وتسبب الصراع في تضخم محلي غير مسبوق في الصناعة المصرية.
وبموجب الاتفاق، سيجري صندوق النقد الدولي مراجعات نصف سنوية على مدار مدة البرنامج ، المحددة في مارس وسبتمبر من كل سنة مالية، وسيوقع على الأقساط وفقًا لذلك. والجدير بالذكر أن ذلك البرنامج يهدف إلى "استعادة الهوامش الوقائية، وتمهيد الطريق لتحقيق نمو مستدام وشامل يقوده القطاع الخاص".
الوضع الاقتصادي في مصر
كانت مصر تتعرض بالفعل لضغوط مالية قبل أن تضر الحرب في أوكرانيا بعائدات السياحة، وترفع فواتير استيراد السلع، وتدفع المستثمرين الأجانب إلى سحب أكثر من 20 مليار دولار من الاقتصاد. ولكن بدأ دعم البضائع في الموانئ المصرية بعد أن فرض البنك المركزي قيوداً على الواردات في فبراير 2022. فيما أزالت الحكومة المصرية تلك القيود في الشهر الماضي، وكان المستوردون يطلبون الدولارات للإفراج عن بضائعهم.
وفي إطار بيان لمجلس الوزراء صدر أمس الأربعاء، قال إن سلعا قيمتها 1.5 مليار دولار غادرت الموانئ في الأيام العشرة الأولى من يناير، ليصل إجمالي ما تم الإفراج عنه منذ الأول من ديسمبر كانون الأول إلى 8.5 مليار دولار. ولم يشر البيان إلى حجم التراكم المتبقي.
وعلى صعيد آخر، أظهرت بيانات صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الثلاثاء أن معدل التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في المدن المصرية ارتفع في ديسمبر إلى 21.3%، وهو أعلى مستوى منذ نهاية 2017، متجاوزًا توقعات المحللين.
معدل الفائدة في مصر
ومن بين العوامل الأخرى التي أدت إلى انهيار العملة المصرية رفع أسعار الفائدة الأمريكية خلال العام الماضي، مما أدى إلى خروج أكثر من 20 مليار دولار من الأموال الأجنبية المستثمرة في أدوات الدين. إذ دفع رفع الفيدرالي لأسعار الفائدة على مدار عام 2022 لترويض التضخم المحتدم المركزي المصري للسير على نهجه، حيث رفع سعر الفائدة 300 نقطة أساس؛ وذلك عملاً على تهدئة ضغوط التضخم، مستهدفًا الوصول بمعدله عند مستوى 7% في المتوسط خلال الربع الرابع من عام 2024، ومستوى 5% (±2% نقطة مئوية) في المتوسط خلال الربع الأخير من عام 2026.
وفي اجتماع عُقد أكتوبر/ تشرين الأول، رفع البنك المركزي أسعار الفائدة بمقدار 200 نقطة أساس. وفي اليوم نفسه، انخفضت قيمة العملة المحلية 14.5%، وأعلن البنك المركزي أنه توصل إلى اتفاق على مستوى الموظفين بشأن حزمة دعم مالي بقيمة ثلاث مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي.
وعلى الرغم من خفض العملة المحلية، استمرت الفجوة بين سعرها أمام الدولار في الاتساع في السوقين الرسمية والموازية إذ وصل سعر الدولار إلى نحو 24.70 جنيه في البنوك وما يصل إلى أكثر من 36 جنيهاً في السوق السوداء. وبلغ السعر الرسمي للجنيه المصري أمام الدولار 19.7 قبل تخفيض قيمة العملة في أكتوبر.
وبدورهم، أكد الاقتصاديون على ضرورة السيطرة على سوق الصرف من خلال طرح شهادات ادخار مرتفعة العائد لأجل قصير؛ لجذب مدخرات المواطنين، وتدبير احتياطي من النقد الأجنبي؛ لتلبية الطلب على الدولار لوقف المضاربة عليه. وكان قد رفع المركزي المصري على مدار العام الماضي سعر الفائدة 800 نقطة أساس ليصبح سعرا عائدي الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي 16.25%، 17.25%، 16.75%، على الترتيب، كما تم رفع سعر الائتمان والخصم ليصل إلى 16.75%.
ووفقاً للبيان الرسمي الصادر عن المركزي المصري، ستستخدم لجنة السياسة النقدية ستستمر في استخدام كافة أدواتها النقدية من أجل السيطرة على توقعات التضخم واحتواء الضغوط التضخمية من جانب الطلب والآثار الثانوية لصدمات العرض التي قد تؤدي إلى انحراف التضخم عن المعدلات المستهدفة له.
وأكدت لجنة السياسة النقدية أن المسار المستقبلي لمعدلات التضخم يعتمد على الزيادات التراكمية لأسعار العائد إلى تاريخه والتي تستغرق وقتاً للتأثير على معدلات التضخم. وتتابع اللجنة عن بدقة التطورات الاقتصادية العالمية والمحلية وأنها ستستمر في استخدام كافة أدواتها النقدية من أجل السيطرة على توقعات التضخم واحتواء الضغوط التضخمية من جانب الطلب والآثار الثانوية لصدمات العرض.
توقعات لأداء الجنيه المصري في 2023
يرى المحلل المالي والتقني "عبد الرحمن الأصفر" أنه لن يكون هناك استقرار مجدداً لعملة الجنيه المصرية، وسنشاهد المزيد من التراجع للجنيه المصري أمام الدولار لمستويات 35 - 39 وقد تزيد عن ذلك خلال عام 2023.
واستطرد قائلاً: "إن الضغوطات التي يفرضها صندوق النقد الدولي على الاقتصاد المصري ستقود الجنيه إلى المزيد من الانهيارات وكانت بداية ذلك عندما قبل المركزي المصري بشرط الصندوق الدولي الذي ينص على إلغاء العمل بالقرار الخاص بوقف التعامل بمستندات التحصيل وإعادة تفعيل الاستيراد من خلال الاعتمادات المستندية وكان ذلك لتلبية رغبة صندوق النقد الدولي برؤية تحركات يومية لسعر الصرف في مصر والتحول إلى سعر صرف مرن !!".
والآن بعد أن تحكم صندوق النقد الدولي باقتصاد مصر والسماح له بفرض شروط مدمرة للاقتصاد في مصر أصبحت فاتورة الدولار المقترض من الصندوق هي الضاغطة على عملة الجنيه والمدمرة له
إلى جانب جميع الإجراءات التي اتخذها المركزي المصري نهاية العام السابق تعتبر إجراءات ضاغطة على الجنيه المصري وستؤدي به للانخفاض امام الدولار ما لم يتم التوقف عنها واهمها تسهيل الاستيراد بالمستندات والخضوع لشروط صندوق النقد الدولي الذي يطمح في أسعار صرف مرنة للجنيه ولا يبالي في زيادة الوبال على العملة المصرية او الاقتصاد المصري ولن يكون هناك حل كما يظن البعض أن استقطاب استثمارات خارجية سيرفع الضغط عن الجنيه فحتى لو تم ذلك فهذا سيكون بمثابة حل مؤقت ولن يطول أمره.
أما اقتصادياً ومالياً، يرى الأستاذ "عبد الرحمن" أن الفترة القادمة فترة عصيبة على الجنيه المصري سنشاهد بها استمرار في التراجع وقد نشهد أرقام لم تكن في الحسبان كما ذكرت سابقا. ويرجح أن الحل الوحيد لتعويض خسارة الجنيه امام الدولار الامريكي أو شيئا من هذه الخسارة او حتى وقف الانهيار فقط والتماسك سيكون كل ذلك مرهون بتطبيق قواعد صارمة على الضبط المالي وادارة الدين بطريقة تؤدي إلى تراجع الدين العام مقابل الناتج المحلي الإجمالي فقط.
اللهم احفظ مصر دولة وشعبا
المحلل المالي والتقني
عبد الرحمن الاصفر